كشف تقرير صحفي الفوارق الكبيرة بين الفقراء والأغنياء في مصر، ما بين حياة القصور والكومباوند وحياة العشش والترب والعشوائيات والأمراض، في الوقت الذي أصبحت الأحياء المغلقة التي يطلق عليها اسم "كومباوند" والمستوحاة من المنازل الخاصة المنتشرة في الولاياتالمتحدة، مهرباً بالنسبة للصفوة المصرية من العاصمة الكبيرة الفوضوية المزدحمة والملوثة التي يقطنها 20 مليون نسمة. ونقل التقرير المنشور على "هافينجتون بوست" عن اقتصاديين أن هذه الظاهرة، التي بدأت في نهاية تسعينيات القرن الماضي، تعكس الفجوة المتزايدة بين الطبقات الاجتماعية، في بلد زاد عدد من يعيشون فيه تحت خط الفقر من 16% عام 2000 إلى 27،8% عام 2015 من عدد سكانه البالغ 90 مليونًا، وفق الإحصاءات الرسمية، تحت حكم الانقلاب العسكري.
واستعرض التقرير حالتين لمواطنين يعيشان في وطن واحد، ما بين رجل يعيش في كومباوند أكتوبر الفارهة، وما بين الملايين الذين يعيشون في العشوائيات، وليس لهم علاقة بالأغنياء وأحيائهم سوى الخدمة في بيوتهم.
وأجرى روي فان دور ويد الاقتصادي في البنك الدولي دراسة حول توزيع الدخل في مصر بالاعتماد على أسعار المساكن كمقياس ولاحظ أن "الفوارق أكبر مما قد تشير إليه تقديرات الاستطلاعات التقليدية"، في الوقت الذي زادت أعباء الديون تحت حكم الانقلاب وأخرها قرض صندوق النقد الدولي وقيمته 12 مليار على 3 سنوات مقابل برنامج تقشف وإصلاحات صارمة.
وفي إطار برنامج الإصلاحات قامت السلطات بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، لتنخفض قيمته بمقدار النصف أمام الدولار وخفضت دعم المحروقات وفرضت ضريبة للقيمة المضافة. وأدت هذه الإجراءات إلى ارتفاع كبير للتضخم الذي بلغ في نهاية أيار/مايو 30،9%.
وأعلنت حكومة الانقلاب برنامج مساعدات بقيمة 2،5 مليار دولار يتضمن خصومات ضريبية للأكثر فقرًا وزيادة لرواتب الموظفين وإعانات بطالة، وأبقت الحكومة كذلك على دعم السلع الغذائية الذي يتيح للأكثر فقراً الحصول على بعض السلع الأساسية، مثل الخبز والأرز والزيت، بأسعار مخفضة، غير أن هذه الإجراءات "ليست سوى مسكنات"، بحسب هبة الليثي أستاذة الإحصاء في جامعة القاهرة، بحسب التقرير.
وتقول الليثي "الناس يخفضون استهلاكهم من السلع الغذائية ويخرجون أبناءهم من المدارس من أجل إلحاقهم بالعمل"، مشيرة إلى أن نسبة الفقر الحقيقية الآن تصل إلى 35%، مؤكدة أن الحكومة يمكنها أن توفر خدمات صحية وتعليمية أفضل يتم تمويلها من خلال ضرائب تصاعدية تفرض نسبة أكبر على الأكثر ثراء، ولكن سلطات الانقلاب لا ترغب في تطبيق مثل هذه الإصلاحات، وفق سلمى حسين الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة غير حكومية محلية.
وترى حسين أن "هناك قدرًا من التواطؤ. الطبقات الثرية تقول للحكومة: اتركونا نجني أرباحاً ولا تفرضوا مزيداً من الضرائب ونحن من جانبنا لن نطالب بالديمقراطية وسنعيش داخل مجتمعاتنا الخاصة".
ويعتقد فان دير ويد أن خفض الفوارق الاجتماعية سيكون تحديًا تصعب مواجهته "إذا ظلت الصفوة معزولة عن بقية المجتمع".