استمرار حملات الاعتقال التعسفي في ظل تنسيق أمني مع الاحتلال وحصار خانق على القطاع في مشهد يعكس عمق الانخراط الأمني لنظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي في سياسات معادية للقضية الفلسطينية، تواصل السلطات المصرية مُلاحقة واعتقال مواطنين أعربوا عن تضامنهم مع غزة، متذرعة باتهامات "الانضمام لجماعة إرهابية"، هذا النهج الأمني المتشدد يأتي في سياق تعاون إقليمي موسّع، يتجلى في حصار مشترك على القطاع، وتدمير الأنفاق، واستمرار تشييد الجدار العازل بين مصر وغزة، وهو ما يصفه ناشطون بأنه "شراكة ضمنية في تجويع الفلسطينيين". ففي أحدث حلقات هذه الحملة، أعلنت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أن نيابة أمن الدولة العليا حققت مع المهندس الشاب سيف الدين عادل (24 عامًا) في القضية رقم 3562 لسنة 2025، وقررت حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، عادل كان قد اعتُقل من منزله يوم 13 مايو/أيار الماضي، وظلت أسرته تجهل مكان احتجازه طوال 21 يومًا، في ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، حيث لم يتم التجاوب مع أيٍّ من البلاغات التي قُدمت للنائب العام بخصوص إخفائه القسري. القضية نفسها تضم 20 متهمًا آخرين، من بينهم محامون وطلاب، جرى اعتقالهم جميعًا خلال شهر مايو، على خلفية تعليق لافتات دعم لغزة، أو حتى مشاركتهم في مجموعات دردشة مغلقة على تطبيق "واتساب"، دون أي نشاط ميداني. ويتوزع المحتجزون على عدة مراكز احتجاز، منها "بدر 1" و"أبو زعبل" و"العاشر من رمضان 5"، في ظروف توصف بأنها "عقابية". منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، ارتفع عدد المعتقلين في مصر على خلفية التضامن مع الفلسطينيين إلى 186 شخصًا في 16 قضية أمن دولة، ولا يزال 150 منهم رهن الحبس حتى يونيو الجاري، بينهم ثلاثة أطفال لم يتجاوزوا 18 عامًا وقت اعتقالهم. يأتي هذا التصعيد في وقت يعاني فيه سكان القطاع من كارثة إنسانية غير مسبوقة: أكثر من 36 ألف شهيد — معظمهم من النساء والأطفال — ونزوح قرابة 85% من السكان، في ظل تدمير شامل للبنية التحتية ونقص حاد في المياه والغذاء والدواء، وهو ما دفع منظمات حقوقية إلى اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وفي المقابل، يصرُّ النظام الانقلابي على ملاحقة كل من يُبدي تعاطفًا مع الضحايا، ما يفاقم المخاوف من استغلال الحرب لقمع المعارضين وفرض مزيد من القيود على الحريات، وتصف منظمات حقوقية دولية هذا المشهد بأنه "تواطؤ رسمي في إسكات الصوت الشعبي المؤيد للقضية الفلسطينية"، متهمة القاهرة بانتهاك الدستور المصري ذاته الذي يضمن حرية التعبير. وتجدد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دعوتها إلى النائب العام محمد شوقي للإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيًا، وإسقاط التهم، وحفظ القضايا ذات الطابع السياسي، مؤكدة أن التضامن مع غزة لا يمكن أن يُجرّم، بل يجب أن يُحترم كحق دستوري وواجب إنساني. هذا التصعيد الأمني لا ينفصل عن دور القاهرة في تشديد الحصار على غزة، من خلال إغلاق معبر رفح أمام المصابين، وتدمير الأنفاق التي كانت شريان الحياة للقطاع، واستكمال بناء الجدار العازل الذي يفصل غزة عن شبه جزيرة سيناء. في ظل هذا المشهد، يُطرح سؤال مشروع: هل لا تزال القاهرة وسيطًا نزيهًا في الملف الفلسطيني، أم أصبحت شريكًا في خنق المقاومة؟.