ضمن مخططات صهيونية طويلة المدى، تسعى إسرائيل لاستغلال اللحظة السياسية الراهنة، وسط حالة من الضعف والافتكاك التي تعايشها الدولة السورية، وتراجع التماسك العربي وضعف ردود الفعل العربية على العربدة الصهيونية في دول المنطقة في غزة ولبنان وسوريا، وسط تقدم طاغ وحضور لليمين المتطرف أمريكيا وأوروبيا وصهيونيا، تسعى إسرائيل عبر فرض أمر واقع للوصول إلى اختراق استراتيجي في سوريا. حيث أقدم الاحتلال الإسرائيلي على تقديم إغراءات مالية كبيرة لأهالي بعض المناطق في جنوبسوريا مستغلا الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعم البلاد، وذلك بعد السيطرة على تلك المناطق عقب سقوط نظام المخلوع بشار الأسد. وبحسب مصادرسياسية تحدثت لوسائل إعلام عربية، فإن القوات الإسرائيلية التي تمركّزت في الجنوب السوري وأقامت قواعد عسكرية تكاد تكون شبه دائمة خاصة مع بناء مبانٍ سكنية لقواتها، قدمت بعض العروض الاقتصادية لسكان الجنوب، وفق ما أفادت مصادر من القنيطرة. وأوضحت أن قوات الاحتلال أحصت نهاية الأسبوع الماضي أعداد سكان المناطق التي تمركز فيها بالجنوب السوري، بهدف معرفة عددهم وعدد أولئك الذين يمكنهم العمل مع معرفة مهنهم وأعمارهم ومستواهم التعليمي.
إلا أن هذا الوعد لم يصل إلى حد توظيف سوريين في إسرائيل، إذ شددت المصادر أن الجيش الإسرائيلي لا يرغب في توظيف سوريين للعمل داخل الأراضي الإسرائيلية، لكنه قدّم عروضاً للعمل لبعض سكان الجنوب السوري، بحيث يدخلون إلى إسرائيل صباحاً ويعودون منها ليلاً إلى سوريا كما كان يحصل في قطاع غزة. كما أضافت أن الجيش الإسرائيلي أبدى لمن قدّم لهم عروض العمل رغبته في إصدار تصريحات دخول تمكّنهم الدخول إلى إسرائيل والعمل فيها، مثلما كانت تفعل بالضبط مع الفلسطينيين الذين يعملون على أراضيها، مقابل مبلغ مالي لكل عامل يعد كبيراً مقارنة بالرواتب في سوريا. هذا وقدّم الجانب الإسرائيلي وعوداً بحصول كل عامل على أجرة يومية تتراوح بين 75 و100 دولار أميركي، ما يعني في واقع الحال راتب موظف سوري لعدّة أشهر في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب فيها قبل قرابة 14 عاماً.
ومن شأن هذه الأجرة اليومية التي تعد مرتفعة مقارنة بالدخل في البلاد، أن تغري العديد من السوريين، مقابل رفض آخرين لهذا الأمر باعتبار أن تل أبيب تحتل أراضيهم. ومنذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اتخذ مواقع في المنطقة العازلة (بلغت أكثر من 10 مواقع) بمرتفعات الجولان المحتل، التي تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974، وسرعان ما توغلت قواته لاحقا في عدة مناطق ونقاط بمحيط تلك المنطقة العازلة. كما سيطرت على الجانب الشرقي من جبل الشيخ، فيما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن هذا الإجراء مؤقت وذو طبيعة دفاعية يهدف إلى كبح التهديدات المحتملة لبلاده من الجانب السوري، لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن القوات ستبقى هناك حتى تحصل إسرائيل على ضمانات أمنية على الحدود. محاولة الاحتلال للحصول على ولاء أهالي جنوبسوريا عبر إغرائهم بالمال تكرر مسبقا في شبه جزيرة سيناء عقب احتلالها في العام 1967، حيث قدم إغراءات كبيرة لشيوخ قبائل سيناء حينها، وفي النهاية وجدت رفض حاسم من الجميع.
ممر داود
وفي إطار مخطط صهيوني لتأسيس الدولة الكبرى من النيل للفرات، يأتي ممر داؤد الذ ي تسعى إسرائيل لتدشينه في سوريا.
الحكومة الإسرائيلية، قررت تنفيذ مشروع «ممر داود» من النهر «الفرات» إلى البحر «الأبيض المتوسط» مرورا بدرعا والسويداء، والرقة، ودير الزور، والبو كمال، والتنف، وحتى الجولان.
الممر، يربط إسرائيل بالفرات، ويطوق الحدود العراقية، وهو الممر الذي يُعد منفذا بريا لإسرائيل، يفض عزلتها وحصارها، بجانب أهميته كطريق تجاري، يزيد من الحركة التجارية، وتقام فيه مشروعات للطاقة، بجانب المشروعات السياحية، ويعزز من قوة إسرائيل العسكرية، ويوسع من دورها الإقليمي، ويشكل ضغطا كبيرا على العراق ثم تركيا، وهو ما يجعل الجميع في مرمى النيران الإسرائيلية.
خطة تنفيذ «ممر داود» في سوريا، تتلخص في 6 مشاهد، واضحة، تكشف حقيقة المخطط وتوقيت تنفيذه، استغلالا لحالة السيولة في سوريا حاليا: المشهد الأول: في أغسطس الماضي، فاجأ دونالد ترامب الجميع بتصريح خطير، نقلته القناة ال12 الإسرائيلية، قال فيه: «إن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها».
كما ذكرت قناة «كان» الإسرائيلية أن ترامب أسدى وعدا بأنه سيقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاجه للانتصار، وقال: «لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة». المشهد الثاني: لم يمر شهر تقريبا على تصريح دونالد ترامب، حتى فوجئنا في سبتمبر الماضي، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في الأممالمتحدة واقفا وممسكا بخريطتين، لوّن إحداهما بالأخضر وسمَّاها «الخريطة المباركة»، وقد وصفها بأنها خريطة تربط الشرق بأوروبا بشكل يعِد بالازدهار والسلام، وخريطة أخرى لوّنها بالأسود وسمَّاها «الخريطة الملعونة» والتي ضمَّت إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان وأجزاء من اليمن.
الخرائط الإسرائيلية تضم تنفيذ مشروع «ممر داود» في الجنوب السوري، والذي يسهم في تحقيق النبوءة التوراتية، «الدولة اليهودية الكبرى»، إرضاء لطموحاتها التوسعية في تشريع الحرب والقتل، باعتبارهما جزءا من مخطط «إلهي» لإعطاء شرعية لأعمالها التوسعية، هذه العقيدة يربط القادة العسكريين الإسرائيليين بينها وبين النصوص الدينية وسياساتهم العسكرية ورؤية بنيامين نتنياهو التوسعية، وهو ما يعكس تحولا خطيرا نحو توظيف الدين كأداة لتبرير سياسات الاحتلال والعدوان. لذلك سقوط النظام في سوريا، وجدته حكومة نتانياهو، فرصة ذهبية لتنفيذ مشروعهم التوراتي العسكري، وهي فرصة لن تتكرر. المشهد الثالث: الصحف التركية تحدثت منذ شهور، عن نوايا إسرائيل لتنفيذ الممر، وحذرت من تنفيذ ها المشروع الذي يقتطع من سيادة سوريا، ويطوق الحدود العراقية، ويدنو من الحدود التركية.
المشهد الرابع: عقب إعلان الميليشيات عن عملية «ردع العدوان» في سوريا، والتي أفضت إلى إسقاط البلاد في قبضتها، حتى فوجئ المجتمع الدولي بتوغل الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة، وتعلن انسحابها من اتفاقية «فض الاشتباك» الموقعة مع الحكومة السورية عام 1974 وتسيطر على جبل «الشيخ» الاستراتيجي.
المشهد الخامس: لم تكتف إسرائيل بالسيطرة على المنطقة العازلة وجبل الشيخ والتوغل في العمق السوري، وإنما قررت تنفيذ «480» غارة جوية – وفق تصريحات إسرائيلية رسمية – مُستبيحة الأجواء السورية في عربدة وانتقام شرس من السورىين، أسفرت عن تدمير سلاح الجو السوري بالكامل، من طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية وطائرات مُسيّرة، وحظائر الطائرات، ورادارات، ومنصات ومخازن صواريخ الدفاع الجوي بكل أنواعها.
كما دمرت سفن الأسطول البحري، ويمكن القول إنها قضت على سلاح البحرية بالكامل، والقواعد العسكرية ومراكز البحوث العلمية، ومواقع الصناعات العسكرية، والهدف تجريد سوريا من جيشها وسلاحها، وتصير منزوعة الأنياب والمخالب، لتتمكن إسرائيل من تنفيذ مشروعها وسريعا.
المشهد السادس: كثفت إسرائيل من ضرباتها الليلة في مناطق عدة ، منها، على منطقة السويداء، وهو ما يعد تمهيدا نيرانيا لطرد كل العناصر المعارضة في المنطقة، ومن ثم تدشين مشروع ممر داود، كون السويداء جزءا مهما من الممر.