قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ الغارة الجويّة الإسرائيليّة على مبنى سكنيّ من ستّة طوابق يأوي مئات الأشخاص وسط قطاع غزّة يوم 31 أكتوبر 2023 تشكل جريمة حرب مفترضة. هذا الهجوم، الذي قتل 106 مدنيين، منهم 54 طفلا، هو من أكثر الهجمات دمويّةً منذ بدء القصف والتوغّل البرّي الإسرائيليَّين في غزّة عقب الهجمات بقيادة "حماس" على إسرائيل يوم 7 أكتوبر. وأضافت المنظمة، في بيان لها، أنها لم تجد أي أدلّة على وجود هدف عسكريّ في محيط المبنى وقت الهجوم الإسرائيلي، ما يجعل الغارة عشوائيّة وغير قانونيّة بموجب قوانين الحرب. لم تقدّم سلطات الاحتلال أيّ مبرّر للهجوم. مضيفة ان سِجلُّ جيش الاحتلال الإسرائيلي الحافل بالتقاعس عن التحقيق بشكل موثوق في جرائم الحرب المزعومة يُبرز أهميّة تحقيق المحكمة الجنائيّة الدوليّة في الجرائم الخطيرة التي ترتكبها جميع أطراف النزاع. وقال جيري سيبمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "قتلت الغارة الجويّة غير القانونيّة التي شنتها إسرائيل على مبنى سكني في 31 أكتوبر ما لا يقلّ عن 106 مدنيين، منهم أطفال يلعبون كرة القدم، وسُكّان يشحنون هواتفهم في دكان على الطابق الأرضي، وعائلات نازحة تبحث عن الأمان. خلّفت هذه الغارة خسائر فادحة في صفوف المدنيين دون أن يكون لها هدف عسكري ظاهر – وهي واحدة من عشرات الهجمات التي سببت مذبحة هائلة، ما يؤكّد الحاجة الملحّة إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية". وأوضحت المنظمة أنه بين يناير ومارس 2024، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع 16 شخصا بشأن هجوم 31 أكتوبر على المبنى السكني المعروف ب "عمارة المهندسين" ومقتل أقاربهم وآخرين. كما حلّلت هيومن رايتس ووتش صورا من الأقمار الصناعيّة، و35 صورة فوتوغرافية، و45 فيديو لآثار الهجوم، فضلا عن صور فوتوغرافية وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من زيارة الموقع لأنّ سلطات الاحتلال عمدت منذ 7 أكتوبر إلى منع الدخول إلى غزة من معابرها. وقد رفضت دولة الاحتلال بشكل متكرّر طلبات هيومن رايتس ووتش دخول غزة على امتداد السنوات ال16 الماضية. وقال شهود إنّه، في 31 أكتوبر، كان هناك 350 شخصا أو أكثر يقيمون في عمارة المهندسين، المتاخم لجنوب "مخيّم النصيرات" للاجئين. 150 منهم على الأقل كانوا يلتجأون هناك بعد أنّ فرّوا من منازلهم في أماكن أخرى في غزّة. حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر، ودون سابق إنذار، أصابت أربع قنابل جويّة المبنى في غضون 10 ثوان تقريبا. تدمَّر المبنى بالكامل. وقال شقيقان إنّهما خرجا بسرعة من منزليهما المجاورين للبحث عن طفليهما وابن أخيهما، إذ كانا يعلمان أن الأطفال في الخارج يلعبون كرة القدم. قال أحدهما إنّه وجد ابنه البالغ من العمر 11 عاما تحت قضبان خرسانية وسط الأنقاض: "كان الجزء الخلفي من رأسه مشقوقا، وإحدى ساقيه بالكاد ظلّت متصلة بجسمه، وجزء من وجه محروقا، لكنّه بدا على قيد الحياة. أخرجناه في ثوان، لكنّه توفي في سيارة الإسعاف. دفنّاه في نفس اليوم". قُتل الأطفال الثلاثة في الهجوم. لم يقل أيّ من الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم تلقوا أو سمعوا أيّ إنذار من سلطات الاحتلال لإخلاء المبنى قبل الغارة. وأكدت هيومن رايتس ووتش من خلال مقابلات مع أقارب بعض الضحايا هوية 106 أشخاص قتلوا، منهم 34 امرأة، و18 رجلا، و54 طفلا. ومن المرجّح أن يكون العدد الجملي للضحايا أكبر من ذلك. "إيروورز"، وهي منظمة غير حكوميّة تحقق في الأضرار المدنيّة في مناطق النزاع، حدّدت في مواد مفتوحة المصدر أسماء 112 شخصا قتلوا، منهم 98 شخصا اتفقت عليهم المنظمتان. كما حددت إيروورز 19 شخصا آخرين، ليس بأسمائهم وإنما بصلاتهم بضحايا آخرين في عائلاتهم. وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع شخصين شاركا في انتشال الجثث من تحت الأنقاض قالا إنهما كان يعملان معا ومع أشخاص آخرين يوم الهجوم، وساعدا في انتشال نحو 60 جثة، ثم انتشلوا حوالي 80 جثة أخرى على امتداد الأيام الأربعة التالية. قال شخص ثالث إنه ساعد على انتشال جثث من الأنقاض على امتداد 12 يوما بعد الهجوم. من الممكن أن تكون هناك جثث أخرى تحت الأنقاض. لم تقدّم سلطات الاحتلال أي معلومات علنيّة عن الهجوم، بما في ذلك الهدف المقصود، أو أي احتياطات لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين. كما أنّها لم تردّ على رسالة وجهتها إليها هيومن رايتس ووتش يوم 13 مارس تُلخّص النتائج وتطلب معلومات محدّدة. وتحظر قوانين الحرب الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنيّة، والتي لا تميّز بين المدنيين والمقاتلين، أو التي يُتوقّع أن تلحق ضررا بالمدنيين أو الأعيان المدنيّة لا يتناسب مع أيّ ميزة عسكريّة متوخاة. الهجمات العشوائيّة تشمل تلك التي لا تستهدف هدفا عسكريا محدّدا، أو تستخدم طريقة أو وسيلة قتاليّة لا يُمكن حصر آثارها على النحو المطلوب. على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، تشمل إرسال تحذيرات مسبقة وفعّالة بشأن الهجمات، إلا إذا كانت الظروف لا تسمح بذلك، وتجنيب المدنيين الخاضعين لسيطرتها آثار الهجمات. الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب التي يرتكبها أفراد بقصد إجرامي – أي بشكل متعمَّد أو متهوِّر – تشكّل جرائم حرب. وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ غياب الهدف العسكري من شأنه أن يجعل الهجوم على عمارة المهندسين متعمدا أو عشوائيا. إصابة المبنى أربع مرات تؤشر بقوّة إلى أنّ الذخائر كانت تهدف إلى إصابة المبنى، وأنّ الضربة لم تكن نتيجة عطل أو توجيه خاطئ. وحتى لو وجد هدف عسكري صحيح، فإنه يثير شكوكا في مدى تناسب الهجوم، نظرا إلى الوجود المرئي والمتوقع لأعداد كبيرة من المدنيين داخل المبنى وحوله. هذه الغارة هي واحدة من مئات الهجمات التي نفذها جيش الاحتلال في غزة وقتلت أو أصابت مدنيين فلسطينيين منذ الهجمات بقيادة حماس على جنوب دولة الاحتلال في 7 أكتوبر ، التي أسفرت عن قتل أكثر من 1,100 شخص وأخذ حوالي 240 آخرين رهائن. أفادت منظمة إيروورز بشكل موثوق أنّ 195 هجوما لجيش الاحتلال قتل بين مدني واحد وتسعة مدنيين، و107 هجمات قتلت بين 10 و59 مدنيا، وأربع قتلت بين 60 و139. حتى 1 أبريل، جمعت إيروورز أيضا معلومات أولية حول الضحايا المدنيين في 3,358 هجمة أخرى، يُرجح أنها شملت غارات جوية إسرائيلية. تُبرز هذه الهجمات الضرر المدمّر اللاحق بالمدنيين وزيادة احتمال وقوع هجمات غير قانونية عند استخدام أسلحة متفجّرة ذات آثار واسعة في مناطق مكتظة بالسكان. على جميع الحكومات دعم "الإعلان السياسي" الصادر في نوفمبر 2022 الساعي إلى الحدّ من استخدام هذه الأسلحة في المدن والبلدات المأهولة بالسكان. وأفادت وزارة الصحّة في غزّة أنّ الفترة من 7 أكتوبر إلى 25 مارس شهدت مقتل أكثر من 32 ألف شخص في غزة، منهم أكثر من 13 ألف طفل و9 آلاف امرأة، وإصابة 75 ألفا آخرين. وهذا يشمل مقتل ما لا يقل عن 2,400 شخص في مارس فقط. هذه الإحصائيات لا تميّز بين المقاتلين والمدنيين. وأفادت صحيفة "هآرتس" في فبراير أنّ جيش الاحتلال يحقق في "عشرات الحالات" التي ربما تكون فيها قواته قد انتهكت قوانين الحرب. ليس من الواضح ما إذا كان الهجوم على عمارة المهندسين في 31 أكتوبر من بين هذه الحالات. وطالبت المنظمة حلفاء دولة الاحتلال بتعليق المساعدات العسكريّة ومبيعات الأسلحة لها طالما أن قواتها ترتكب انتهاكات منهجيّة وواسعة لقوانين الحرب ضدّ المدنيين الفلسطينيين وتفلت من العقاب. مؤكدة أن الحكومات التي تستمر في توفير الأسلحة للحكومة الإسرائيلية تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب. كما عليها استخدام نفوذها، بسبل تشمل العقوبات الموجَّهة، للضغط على سلطات الاحتلال للكف عن ارتكاب انتهاكات جسيمة. قال سيبمسون: "العدد الهائل للقتلى الفلسطينيين، وأغلبهم من النساء والأطفال، يظهر استهتارا قاتلا بأرواح المدنيين، ويشير إلى احتمال وقوع المزيد من جرائم الحرب التي يجب التحقيق فيها. على الحكومات الأخرى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الهجمات غير القانونية، والتوقف فورا عن نقل الأسلحة إلى إسرائيل لإنقاذ أرواح المدنيين، وتجنب التواطؤ في جرائم الحرب".