مترو الأنفاق يشهد انتكاسة لم تحدث منذ تشغيله فى مطلع تسعينيات القرن الماضى فقد تحول فى عهد الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي إلى سويقة للباعة الجائلين وساحة للفوضى والبلطجة وسحل الغلابة على أيدى ميلشيات البلطجية الذين يسلطهم أمن الانقلاب على المصريين . ويمثل الباعة الجائلون والمتسولون فى مترو الأنفاق، علامة استفهام كبيرة.. فكيف يدخل الآلاف منهم يوميا إلى محطات المترو وهم يحملون بضائعهم فى أكياس وحقائب ضخمة مليئة بالسلع بداية من النعناع والفطير المشلتت والرقاق والكريب والشرابات والملايات والملابس وأدوات الزينة والميكاج وزيوت الشعر والعطور وكل أنواع البضائع. ؟ ثم كيف يحدث كل ذلك رغم مزاعم إدارة مترو الأنفاق واعلانها عن جهودها للتصدى للباعة الجائلين ومنع تسللهم إلى داخل المترو ؟ هل إدارة المترو لا تستطيع منع الباعة الجائلين والمتسولين من الدخول ؟. وهل هؤلاء الباعة يعملون لصالح أنفسهم؟. أم أنهم جزء من مافيا كبرى يديرها آخرون؟
عربات السيدات
تقول هند أحمد، موظفة إنها تستقل المترو يوميا، لأنه كان وسيلة مواصلات نظيفة وسريعة، لكن ما يعكر صفو ركابه وجود عدد كبير من الباعة الجائلين ينادون على بضاعتهم بأعلى أصواتهم، والبعض يلقى بضاعته فوق أرجل الجالسين بالمترو، والأغرب أن بعض الباعة الذكور يتواجدون فى عربات السيدات رغم زحامها . وتساءلت كيف لرجل أن يدخل عربات السيدات رغم الزحام ويدفعهن بيده ليوسع الطريق لنفسه ليمر وسطهن؟! وأضافت : لا يقتصر الأمر على الباعة الجائلين وحدهم، فالمتسولون أيضا يتواجدون بكثافة فى مترو الأنفاق، وبعضهم عندما لا يعطيه الركاب أموالا، يدخل فى مشادات كلامية مع الجميع.
تهديد علنى
وتكشف نهى محمود طالبة بجامعة القاهرة عن واقعة عاشتها داخل مترو الأنفاق وقالت : فى أحد الأيام كان المترو مزدحمًا جدا، وفوجئت ببائع متجول يصطدم بى، فنهرته، قلت كيف دخلت عربة السيدات فقال صارخا: وأنت «مال أهلك» وبعدها توالت شتائمه، وكلماته البذيئة ، وفجأة انضم إليه عدد كبير من الباعة الجائلين، وتضامنوا مع زميلهم، ولا أعرف كيف تجمع هؤلاء البائعون فى غمضة عين ؟ وأضافت : لم أستطع مجاراة هذا التجمع الكبير من الباعة فى كلامهم الذى تحول إلى تهديد علنى، خاصة بعدما قال لى أحدهم «أنا أقدر أسحلك هنا، ومش هاخد فيكى يوم»!، وكان الحل هو النزول فى أول محطة وصل إليها المترو.
سوق عشوائى
وقالت أم محمد، سيدة خمسينية، إن المترو لم يعد كما كان فى الماضى، فكان نظيفا، ولم يكن به بائع واحد، والآن أصبح مليئًا بالباعة والمتسولين وكأنه سوق عشوائى، ولا أحد يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة. وتساءلت: من المسئول عن دخول كل هؤلاء الباعة إلى داخل المترو ومن يساعدهم حتى يتمكنوا من الدخول؟ مؤكدة أن حالة من الغضب تنتاب جميع رواد المترو، خاصة بعربات السيدات التى يقتحمها البائعة الرجال ويمرون بين السيدات ذهاباً وإياباً لبيع وعرض بضاعتهم مما يسبب الكثير من المشاجرات مع السيدات داخل العربة.
مافيا
حول أسباب هذه المهزلة قال الدكتور حمدى البرغوثى، خبير النقل الدولى، إن ما يحدث فى مترو الأنفاق بمصر، لا يحدث فى أى مكان بالعالم، لافتا إلى أن العالم كله يؤجر محلات فى كل محطات المترو لبيع السلع أيا كانت. وعن كيفية دخول الباعة الجائلين إلى محطات المترو فى ظل وجود رقابة على كل من يدخل المترو، اضاف البرغوثى فى تصريحات صحفية: إذا كانت إدارة المترو لا تعلم كيف يدخل الباعة الجائلين إلى المترو فهى مصيبة، وإن كانت تعلم كيفية دخول الباعة الجائلين إلى المترو فتلك كارثة، مشيرا الى أنه من الممكن أن يكون هناك من يدخلون المترو بكميات صغيرة من البضائع ويجمعونها داخل المترو. وأكد أن تغليظ الغرامة لا يفيد في الحد من المشكلة، فالباعة لا يرتدعون من الغرامة، ولهذا يجب أن تكون هناك آليات لمنع الباعة الجائلين من دخول المترو، مشددا على أنه فى تلك الحالة لن يجرؤ الباعة الجائلون على دخول المترو، وأشار البرغوثى الى أن منع دخول الباعة الجائلين أمر سهل جدا، نظرا لوجود شرطة المترو والملاحظين بالمترو وناظر المحطة وأمن المحطة لكن يبدو أن كل هؤلاء لا يقومون بدورهم . وأوضح أن وجود الباعة الجائلين بالمترو بكميات بضائع تقدر بالملايين، تدل على أن من يقف وراء هؤلاء الباعة «مافيا» تأتى لهم بالبضائع وتجمع الأموال آخر النهار منهم. وقال البرغوثى أن الحل هو عمل بحث على هؤلاء الباعة، ومعرفة من يأتى لهم بالبضائع ومن يمولهم، ويتم تأجير محلات لهم داخل المترو، مؤكدا أن هيئة المترو تستطيع أن تجنى ملايين الجنيهات شهريا، وتحل أزمة الباعة الجائلين فى المترو، والتى أصبحت تؤرق جميع المواطنين . ولفت الى أن المولات الضخمة تؤجر المتر الواحد بين الفراغات بالآلاف شهريا، لبيع البرفانات والمقرمشات والأشياء الأخرى، ونفس الأمر يمكن أن يفعله المترو، الذى يرتاده أكثر من ثلاثة ملايين زائر يوميا. وطالب البرغوثى هيئة المترو بإنشاء أكشاك داخل المحطات تقوم بتأجيرها، للباعة الجائلين، لافتًا إلى أن محطات مترو الأنفاق فى ايطاليا تؤجر جميع الفراغات للباعة، كما أن الدول المتقدمة حولت جميع محطات المترو إلى مولات تدر ملايين الجنيهات على الدولة، وشدد على أن تقنين وضع الباعة الجائلين، دائمًا ما يكون شيئاً جيداً.
بدون تراخيص
وقال الدكتور حمدى عرفة استاذ الإدارة المحلية، إن انتشار الباعة الجائلين سواء داخل المترو أو خارجه يعد مخالفًا للقانون حيث إن 96٪ من الباعة الجائلين لا يحملون تراخيص ويحتلون الأرصفة، لافتا إلى أن بداية الحل تكون فى تطبيق قانون الباعة الجائلين. وأكد عرفة فى تصريحات صحفية أن القانون يجرم وجود باعة جائلين داخل المترو، إلا إذا أخذ محل إيجار داخل مترو الأنفاق، مضيفا أن الباعة خارج المترو يجوز لهم البيع لكن بشرط الحصول على تراخيص من الحى التابعين له. وأوضح أن الحل يكمن في تفعيل دور نقابة للباعة الجائلين.. خاصة إن عدد الباعة الجائلين تخطى خمسة ملايين بائع، مطالبا قبل القبض عليهم، بمعرفة مشكلاتهم وحلها، لأن مطاردتهم دون إيجاد بديل يوفر لهم مورد رزق، يعد خطرا كبيرا. وكشف عرفة أن ظاهرة الباعة الجائلين ظهرت بسبب ضعف فرص العمل فيخرج الرجل حاملًا سيارات خشبية يجمع بها بضاعة ويذهب لبيعها فى المناطق الجديدة، والتى تتحول مع الوقت إلى أسواق عشوائية، وسط غياب دور الأحياء والمحليات. وطالب عرفة دولة العسكر بوضع خطة تنظيمية تقوم على معايير صحية مع تنظيم عمل الباعة الجائلين فى محلات مرخصة، لأن أغلب منتجاتهم من مصادر مجهولة، وبالتالى لابد من تشديد الرقابة عليهم لضمان التزامهم بالمعايير الصحية.