ما تزال أصداء صدمة الشارع المصري من نتيجة الثانوية العامة مستمرة، حيث كانت الأسوأ منذ سنوات طويلة، وصاحبها بكاء وصراخ وانهيار للطلاب وأولياء أمورهم على حد سواء. وأكد أولياء أمور أن هذا العام كانت التهنئة لمن تخطى حاجز النجاح دون السؤال عن النتيجة التي كانت أسوأ مما توقع الجميع. ومع إعلان نتيجة الثانوية العامة تكشفت الكوارث التي ارتكبها نظام الانقلاب في حق أبناء مصر وضد أجيال المستقبل من خلال تدمير التعليم والقضاء على آمال وطموحات الطلاب والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي التي تستهدف خصخصة التعليم وإلغاء المجانية ما يعني حرمان الغلابة من حقهم في التعلم وهم يمثلون أكثر من 90% من الشعب المصري. النظام المشبوه لتطوير التعليم الذي يتبناه العسكر ويطبل له طارق شوقي وزير تعليم الانقلاب تحت مسمى الثانوية الجديدة وقانون التعليم الجديد أصاب أولياء الأمور باليأس والإحباط ودفع عددا من الطلاب إلى الانتحار هربا من هذا الواقع البائس والنظام المجرم الذي يحارب شعبه ويحرمه من كل حقوقه ويجامل الأجانب على حساب الشعب المصري. هذا الإجرام دفع بعض الطلاب إلى تسجيل الانتحار كرغبة أولى قبل إعلان قواعد المرحلة الأولى لتنسيق القبول في الجامعات.
مأساة إنسانية كان مركز «أبو تشت» بمحافظة قنا قد شهد مأساة إنسانية، عندما أقدم الطالب «عبد الله. ع»، 18 سنة، على الانتحار شنقا داخل منزله فور علمه برسوبه في الثانوية العامة، وحاولت أسرته إنقاذه ونقله إلى المستشفى إلا أنه فارق الحياة وتم إخطار النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية لدفن الجثة. كما ألقت طالبة بنفسها من الطابق السادس في مدينة سرس الليان، بمحافظة المنوفية، فور إعلان نتيجة الثانوية العامة، وعلمها ورسوبها في أكثر من مادة، وجرى نقلها إلى المستشفى، إلا أن إصابتها الخطيرة أودت بحياتها، بعدما تعرضت لكسر في قاع الجمجمة، ونزيف داخلي، ولفظت أنفاسها الأخيرة بالمستشفى، وسط حالة من الحزن الشديد خيمت على أفراد أسرتها، وتوافد العشرات من الأهالي إلى المستشفى حزنا عليها.
عقاقير طبية وفي «سرس الليان» أيضا لم تتحمل طالبة أخرى خبر رسوبها، ولم تجد أمامها سوى كمية من العقاقير الطبية، فتناولتها، وجرى نقلها إلى مركز السموم، لإنقاذ حياتها. ولقيت «ك. ن.»، طالبة في الثانوية العامة مصرعها في منطقة «بيجام» بشبرا الخيمة، في محافظة القليوبية، إثر سقوطها من الدور الخامس بمنزل أسرتها، وبينما أكد والدها وشقيقتها أنها كانت تقوم بنشر الغسيل وسقطت أثناء ذلك، ونفوا أن تكون قد أقدمت على الانتحار، بسبب نتيجة الثانوية العامة، إلا أن بعض الأهالي وأصدقائها أكدوا، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، أنها أقدمت على الانتحار لرسوبها في بعض المواد. وفي مركز الباجور بالمنوفية شرعت الطالبة «دينا.و» 18 سنة، في الانتحار بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة، عن طريق تناول كمية كبيرة من الأدوية المهدئة؛ ما أدى إلى إصابتها بغيبوبة، نقلت على إثرها إلى مستشفى الجامعة؛ لتتلقى العلاج، وقُدمت لها الإسعافات الأولية حتى استقرت حالتها. وتبين أن الطالبة حاولت الانتحار بسبب حصولها على مجموع في الثانوية العامة، لا يمكنها من دخولها الكلية التي كانت تحلم بها.
ضغط نفسي تعليقا على هذه الحوداث قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، إن "هناك ضغطا نفسيا كبير على الطلاب تحت مسمى تطوير التعليم كما أن هناك ضغطا من الأسر بسبب الثانوية العامة والنتيجة، تفاديا لسقوط أبنائهم وفضيحتهم أمام الأقارب والأصدقاء والجيران، دون الالتفات إلى الضغط النفسي الذي يتم تشكيله على الطلاب، والذي يدفعهم إلى الانتحار بعد ظهور النتيجة في كل عام". وأضاف صادق في تصريحات صحفية أن "هذه الفئة من المراهقين في عمر ال 18 عاما يعانون من عدم الاتزان وضغط نفسي كبير، وتكون حوادث الانتحار متوقعة بسبب الضغط النفسي عليهم من كافة الاتجاهات". وأكد أن "طلاب الثانوية العامة يعانون من الضغوط النفسية سواء من انتظار إعلان النتيجة والمرور قبلها بالامتحانات والقلق الطبيعي منها، والضغط عليهم من الأسر، موضحا أن "الأزمة لا تكمن في التنسيق وخفض نسبته للتناسب مع درجات نجاح طلاب الثانوية العامة". وطالب الأسر بضرورة التعامل مع الثانوية العامة باعتبارها أمرا طبيعيا وبمنتهى البساطة لإنهاء الضغط النفسي الواقع على الطلاب والتخفيف عنهم وتجنيبهم التفكير في التخلص من حياتهم لهذا السبب".
اضطراب وقلق وقال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن هناك بين المراهقين فئة تسمى ب"العصابيين" يعانون من الاضطراب والقلق من الأزمات التي يتعرضون لها، والتي قد تصل إلى مشاكل صحية مختلفة نتيجة الضغوط التي يتعرضون لها، موضحا أنه عند ظهور نتيجة الثانوية العامة يواجه العصابيين النتيجة ورسوبهم بمفردهم، ويتلاشى الأهالي أنهم من هذه الفئة، التي تجعلهم لا يفكرون سوى في الانتحار فقط". وأوضح فرويز، في تصريحات صحفية أن "فئة العصابيين في حالة الأزمات والمشكلات التي يواجهونها ينهارون سريعا، وتخطر على تفكيرهم وذهنهم فكرة واحدة فقط، هي الانتحار، وهذا ما حدث في حالات الانتحار التي وقعت في أقل من 24 ساعة عقب إعلان نتيجة الثانوية العامة". ولفت إلى أن "هذه الفئة لا تتواجد إلا في المراهقين فقط، مطالبا الآباء والأسر باحتواء أبنائهم، خاصة من فئة العُصابين وعلاج أزماتهم نفسيا".