بدأت شركات الأسمنت الخاصة والأجنبية فى مصر تغلق أبوابها واحدة تلو الآخرى بسبب الأوضاع الاقتصادية المنهارة فى البلاد والقرارات المجنونة التى فرضها نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومنها وقف أعمال البناء لمدة 6 أشهر، بجانب التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا، والزيادات المتتالية فى أسعار الوقود، ما دفع عددا من الشركات الأجنبية إلى الخروج من السوق المصرى بينما تنتظر بعض الشركات المصرية الدعم من حكومة العسكر. كانت مبيعات الأسمنت في مصر قد انخفضت إلى 43.8 مليون طن في 2019 من 49.5 مليون في 2017، بحسب بيانات البنك المركزي، ويتوقع ان يصل التراجع إلى 25 مليون طن فى العام 2020 أى ان التراجع يصل إلى نحو 60% من حجم الاستهلاك. هذه الأوضاع دفعت عددا من مصانع الأسمنت إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفى هذا السياق تم تصفية الشركة القومية للأسمنت أواخر 2018 وباعت شركة أسمنت طره، وهي جزء من هايدلبرج سمنت، معدات مصنعا متعطلا بالمزاد في ديسمبر 2019 لتعزيز التدفقات النقدية كما أعلنت شركة السويس للأسمنت، التابعة لهايدلبرج سمنت أيضا، تخفيض أجور الإداريين بين 20 و30% بسبب فائض المعروض والانخفاض المستمر للطلب تزامنا مع أزمة كوفيد-19. وخلال النصف الأول من 2020، حققت "العربية للأسمنت" خسائر بنحو 5.6 ملايين جنيه، وسجلت "أسمنت سيناء" خسائر بقيمة 245.6 مليون جنيه، بينما علقت شركة "أسمنت طرة"، الإنتاج بسبب أزمة مالية ناجمة عن تخمة المعروض في السوق المحلية. كما تسبب دخول الجيش مجال المنافسة عبر افتتاح شركة العريش للأسمنت بطاقة 13 مليون طن سنويًا، في زيادة المعروض وجراء ذلك، أعلنت شركة جنوب الوادي للأسمنت عبر جمعيتها العمومية وقف تنفيذ إنشاء الخط الثاني، بمصنع الشركة في بني سويف. خسائر فادحة وأزمة حقيقية حول مستقبل شركات الأسمنت فى ظل هذه الأوضاع السيئة توقع محمد صالح، خبير صناعة وتسويق الأسمنت تكبد صناعة الأسمنت خسائر فادحة؛ جراء تراجع الطلب بنسبة 60% للمرة الأولى في تاريخ القطاع. وأرجع صالح فى تصريحات صحفية هذا التراجع، إلى تنامي تلك الصناعة دون دراسة جدوى، بعدد 23 شركة، تنتج حوالي 85 مليون طن سنويًا، في حين أن احتياجات السوق المصرية لا تتجاوز 58 مليون طن. وكشف أن الطلب على الأسمنت يشهد تراجعا منذ دشن الجيش مصنعا في بني سويف تكلف مليار دولار في 2018 أضاف طاقة سنوية قدرها 13 مليون طن إلى الطاقة القائمة حينذاك وكانت تبلغ 79 مليون طن. مؤكدا أنه بسبب هذا المصنع تفاقم الوضع الصعب في السوق لشركات أجنبية أنفقت مئات الملايين من الدولارات لشراء مصانع الأسمنت خلال موجة الخصخصة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي. وأشار إلى أنه بجانب هذه الأوضاع تسببت جائحة فيروس كورونا فى تدهور الجدوى الاقتصادية للمصانع متوقعا إغلاق أربعة أو خمسة مصانع خلال العام الجارى من بين 23 مصنعا في مصر. وقال علي السيد مدير مبيعات بإحدى شركات الأسمنت إن قطاع الأسمنت يعاني من أزمة حقيقية ترجع لعدة أسباب، منها، زيادة المعروض بالنسبة لحجم الطلب، نتيجة دخول منتجين جدد، في ظل حالة من الركود تضرب السوق العقارية، مع تراجع الصادرات المصرية. وأرجع السيد فى تصريحات صحفية تراجع أرباح شركات الأسمنت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج ومنها زيادة أسعار الوقود. مطالبا بوضع ضوابط حاكمة لسوق الأسمنت، مشيرا إلى أن نحو 40% من الوكلاء أغلقوا متاجرهم، نتيجة الخسائر التي تعرضوا لها. فوائض إنتاج ويرى عبد الحافظ الصاوي باحث اقتصادي أن تدهور صناعة الأسمنت يرجع إلى تراكم الإنتاج وزيادة الفائض الإنتاجي بكميات سببت خسائر كبيرة للشركات المنتجة، موضحا أن الطلب بلغ 48 مليون طن بينما فوائض الإنتاج وصلت إلى 35 مليون طن من الأسمنت. وقال الصاوى فى تصريحات صحفية إن التصدير لم يعد مخرجًا لحل أزمة شركات الأسمنت، مؤكدا أن مصر فقدت ميزة نسبية في سوق تصدير الأسمنت نتيجة ضغوط تضخمية شهدها القطاع بسبب رفع أسعار الوقود. وأشار إلى أن الأسواق المنافسة إقليميًا تبيع أسمنتها بأقل من المصري ب12 دولارًا للطن بسبب مزايا سعرية تحصل عليها بعكس السوق المصري، مؤكدا أن الخسائر وتراكم فوائض الإنتاج حالة عامة لدى شركات الأسمنت ولذلك أوقف بعضها الإنتاج كما حدث بشركة أسمنت طرة! وكشف الصاوى أنه فى الوقت الذى يعاني اقتصاد القطاع الخاص ركودا افتتح الجيش مصنعًا جديدًا للأسمنت ببني سويف باستثمارات تتجاوز مليار دولار وبالتزامن مع ذلك تم تصفية الشركة القومية للأسمنت (قطاع أعمال عام)، وتسريح نحو 2500 عامل، بحجة الخسائر التي تعاني منها الشركة. وأكد أن التفكير الاقتصادي السليم كان يقتضى أن تنصرف استثمارات الجيش لقطاعات أخرى تعاني عجزًا كالقطاع الزراعي أو صناعات أخرى يتم الاعتماد على استيرادها لافتا إلى أن قواعد اقتصادات السوق تتطلب رفع الدولة يدها عن أسواق تفتقد تنفيذ سياسات ناجعة أو استراتيجية تلبي متطلبات التنمية. ولفت إلى أن قطاع الصناعة في مصر بلا راع، ولذلك مساهمته محدودة في الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 10.5%، حسب بيانات عام 2018/2019، بينما الصناعات الاستخراجية (لقطاعي النفط والغاز) تسهم بنحو 7.5%، وفق بيانات وزارة مالية الانقلاب عن ديسمبر 2019. وأعرب الصاوى عن أسفه لعدم وجود استراتيجية في مصر تستهدف تشجيع الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة العالمية، فمساهمة هذه الصناعات في الناتج المحلي، على الرغم من ضعفها، تشمل مساهمة نشاط تكرير البترول. التصدير وأكد مدحت اسطفانوس رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات، إن قطاع الأسمنت يمر بأزمة بسبب تراجع الإنتاج والاستهلاك بنحو 40% مقارنة بالعام الماضى نتيجة لتداعيات وباء كورونا وبعض قرارات حكومة الانقلاب المنظمة للصناعة وتراخيص البناء. وقال اسطفانوس فى تصريحات صحفية إن الأسمنت سلعة غير قابلة للتخزين لذا يتساوى فيها معدل الإنتاج مع الإستهلاك، قائلًا: إذا استمر حال القطاع على هذا الأمر فسيشهد تراجعا بنسبة تتراوح من %46 إلى %47 مقارنة بالعام الماضى حيث بلغ معدل الاستهلاك %48.5 نتيجة لانكماش السوق بعد فيروس كورونا المستجد، وأيضا بعد صدور قرار وقف تراخيص البناء فى المدن والمناطق كثيفة السكان. واعتبر أن التوجه لتصدير الأسمنت إلى الأسواق الخارجية يعد أمرًا مستحيلًا حتي عام 2030 لانخفاض تنافسية الاسمنت المحلى موضحا أنه عند مقارنة الأسعار بالنسبة للسوق الخارجية فإن تكلفة إنتاج طن الأسمنت فى مصر أعلى من الأسواق الخارجية بنحو 12 دولارا نظرا لارتفاع تكلفة التشغيل، بسبب الزيادات المتلاحقة فى أسعار الكهرباء والبنزين والغاز، بما يقضى على أى آمال للتصدير، مشيرا إلى ان الإنتاج أصبح كله متوجها إلى السوق المحلية، وأصبحت %40 من طاقة المصانع معطلة، وهى تمثل نحو %60 من استهلاك السوق. وأشار اسطفانوس إلى أن وقف حركة التصدير نتيجة إرتفاع الأسعار يمثل كارثة بالنسبة لشركات الأسمنت لأنه للوصول إلى نقطة التعادل تحتاج الشركات إلى زيادة الاستهلاك بنسبة %60 وهذا يعنى أنه يجب أن تكون هناك زيادة سنوية بنسبة %2 لمدة 30 سنة، أو %4 لمدة 15 سنة، مؤكدا أن الأسعار الحالية لا تغطى تكلفة الإنتاج مما يسبب خسائر متتالية للعام الثالث على التوالى. وحذر من أن جميع الشركات والمستثمرين فى الأسمنت يتعرضون لخسائر كبيرة، نظرًا لوجود استثمارات معطلة فى قطاع الأسمنت تتخطى ال 100 مليار جنيه، نتيجة لتوقف بعض الخطوط عن الإنتاج، فى قطاع يمثل 23 مستثمرا بما فيهم الدولة. وكشف رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات أن ذلك دفع أغلب المصانع للاستغناء عن جزء من العمالة، وخفض الانتاج، حتى تستطيع الاستمرار فى قطاع الاسمنت، موضحا إن السبب الرئيسى فى زيادة الإنتاج، هو دخول مصانع كثيرة للسوق دون دراسة للسوق واحتياجاتها.