يبدو أن يوم 20 سبتمبر سيؤرخ لنهاية عهد الطاغية السيسي بعدما علّم عليه الشعب عامي 2019 وأمس 2020، بعدما كسر المصريون ودمروا حاجز الخوف من أجهزة السيسي القمعية، وخرجوا في مظاهرات في أكثر من 15 مدينة بقرابة 7 محافظات، وطاردوا لأول مرة مدرعات الشرطة وحطموا اثنين وأشعلوا النار فيها. حيث وقعت أمس أكثر من 15 مظاهرات أجهضها الامن بالغاز المسيل والرصاص الحي، ولكنها ارخت لبداية الثورة ونهاية الانقلاب، ليتصدر اليوم الاثنين هاشتاج #الثوره_بدات و#ميدان_التحرير مواقع التواصل الاجتماعي. (المظاهرة الأولى) جرت في قرية أطفيح وكانت أبرز المظاهرات حيث تصدى المتظاهرون للشرطة وهرب أمامهم الضباط والجنود، وأحرقوا سيارتين وتدخلت ميلشيات الانقلاب لاحقا بقوات ضخمة وغاز مسيل وبدأت الاعتقالات. و(الثانية) في العياط وتبعتها مناطق متفرقة في الجيزة أيضا هي "صول"، و"الديمسي"، و"أطفيح"، و"العياط"، والشوبك، وجمعها بالجيزة. و(الثالثة) في قرية الديسمي بالجيزة أيضا، و(الرابعة) في جزيرة الوراق بالقاهرة تُطالب برحيل السيسي، (الخامسة) في البساتين-القاهرة، و(السادسة) كر وفر بين متظاهرين وميلشيات الانقلاب في منطقة المعمورة بالإسكندرية بجوار مزلقان الشرطة العسكرية، و(السابعة) في أسوان كانت تهتف "لا الله إلا الله السيسي عدو الله" حيث جرت اشتباكات مع ميلشيات الانقلاب، و(الثامنة) في صقر قريش بالمعادي حيث مشهد هروب مدرعة شرطة أثناء فضها تظاهرات تطالب برحيل السيسي، (التاسعة) طنطا، العاشرة في -كفر شكر القليوبية والقناطر الخيرية ايضا، و(المظاهرة 11) بالإسكندرية (المعمورة) التي يفتخر السيسي بركوب دراجته فيها فجرا، و(المظاهرة 12) في الحي العاشر بمدينة نصر. وسبقتها مظاهرات في السويس وقرية صول بالجيزة والحي العاشر بمدينة نصر، ومناطق أخرى كلها خرجت للمطالبة برحيل السيسي. وقد سعى الإعلام الحكومي للتقليل من أهمية المظاهرات، وركز على ما جرى بالنهار، وكان الحديث الأبرز لمقدمي التوك شو أمس هو فشل الدعوات للمظاهرات بتصوير شوارع فارغة في بعض المدن رغم أنهم تجاهلوا مظاهرة قرية مركز أطفيح، ولكنهم تجاهلوا التحرك الشعبي الكثيف الذي حدث بعد العشاء. إذ كانت استراتيجية اعلام السلطة لمواجهة المظاهرات واضحة خاصة بعد تلقي وسائل الإعلام المختلفة تعليمات وتوجيهات موحدة تتضمن كيفية الرد على دعوات للنزول للاحتجاج، بالحديث عن الإنجازات المزعومة ومخاطر المظاهرات على الاستقرار والاقتصاد، وأن المظاهرات لا تجلب سوى الخراب وتضر الفقراء أكثر من الأثرياء. دلالات المظاهرات بخروج المظاهرات أمس رغم الآلة القمعية والمصير المتوقع لمن سيخرج بالتعذيب داخل السجون وتلفيق القضايا له، كسر المصريون حاجز الخوف الذي بذل السيسي جهدا هائلا طوال سبع سنوات لتأسيسه، وأرسلوا رسالة أولى واضحة: لقد بدأ المسار الذي يعرف هو نهايته الحتمية جيدا. 1. فما يحدث في الشارع الآن حالة من الرفض العام أكبر من أن تحتويها السلطة أو تسيطر عليها أي قوة سياسية، وسياسات الإفقار والقمع والتفريط والتسلط تسببت في كسر حاجز الخوف، والاحتجاجات ستتواصل حتى تحقيق المطلب الرئيسي للشعب وهو رحيل السيسي، وما حدث رغم محدوديته يحمل دلالات مهمة والأنظمة التي تراهن على القبضة الأمنية والاستبداد السياسي تكتسب عداء قطاعات من الشعب، وبمرور الوقت وتدهور الوضع سيزداد تجرؤ الناس عليها. 2. من أخرج بعض المصريين للتظاهر في 20-سبتمبر الماضي لم يكن محمد علي أو خطابه أو ما كشف عنه من فساد، وإنما ما أخرجهم بالأساس هو شعورهم بالظلم واستشعارهم الفساد والقهر، واعتقادهم بأن هناك قوى داخل النظام نفسه تقف وراء محمد علي وسوف تساعد الناس. 3. هناك عوامل كثيرة لغضب المصريين وعوامل أكثر لإحباطهم ومنع خروجهم، والفيصل هو من يعطيهم الأمل ويشعرهم بأن الخروج لن يكون مكلفا أو على الأقل لن يكون بلا ثمن. 4. وجود قوة جادة تشكلها المعارضة أو تنشق عن النظام هو شيء ضروري لتحريك الناس بشكل جاد. 5. عدم وجود من يقود الثورة ضد النظام على غرار ما جرى في 2011، معناه ان تتحول أي احتجاجات إلى فوضى وعنف وخراب ودمار. 6. ملامح القلق والخوف تبدو واضحة على السلطة، سواء في الإعلام أو بالنظر إلى الانتشار الأمني المكثف على الأرض، وهو ما يرجع إلى الأجواء التي خلفتها إجراءات حكومية غير مسبوقة بحق المصريين فاقت المعتاد من قرارات الجباية ورفع الدعم ورفع الأسعار وسوء الخدمات والتضييق على الحريات، لتصل إلى هدم المنازل. 7. تقدير أجهزة السيسي للموقف والذي تم رفعه للسيسي هو أن المواطنين لن يقوموا بتظاهرات بسبب القبضة الأمنية التي تفرضها أجهزة الأمن "وأخطأوا التقدير" رغم أن تلك التقارير أوضحت للسيسي أن الغضب الشعب يتنامى بسبب كثرة الضغوط الاقتصادية والقرارات الصارمة التي تفرضها الحكومة على المواطنين، وهو ما يظهر في تصريحات السيسي مثل علمه برفض المصريين له وكمطالبتهم برحيله 4 مرات وزعمه في كل مرة أنه مستعد يمشي ولكنه هذه المرة قال "يجي غيري يخربها" ليؤكد أنه لن يرحل. 8. اتساع دائرة التظاهر في القرى يؤكد أنها ليست احتجاجات نخب وإنما من جذور المجتمع وغالبية المتظاهرين من الشباب وصغار السن (الأجيال الجديدة) ولهذا لوحظ شدة الحماس وعدم الخوف، والقاهرة تأخرت بسبب قوة الإجراءات الأمنية في الميادين الرئيسية لكن خرج المواطنون في البساتين والمعادي. الديكتاتور لا تسقطه مظاهرات اليوم الواحد مهم تذكير الشعب أن الديكتاتور لا تسقطه ثورة أو مظاهرات اليوم الواحد، فمبارك سقط بعد 18 يوما ورؤساء الدول الذين أسقطهم الربيع العربي لم يسقطوا في يوم واحد، فقط المطلوب هو إنهاك الانقلاب وهو في حد ذاته انتصار ويجعله يعيش في قلق مستمر وتخبط ويشجع باقي الشعب على التحرك. ولكن السيسي ليس سوبرمان، وكما سقط غيره في مصر وغيرها سيسقط، قد يكون ذلك بعد أسابيع، شهور وسنين ليست كثيرة لكن سيسقط. كما أن أي حراك، أو تعبير عن رفض الوضع الحالي في مصر، بأي صورة من الصور، يحمل رسالة للداخل والخارج مفادها: أن شعب مصر لم يمت، وأنه مُصر على إسقاط هذا النظام الانقلابي المجرم، وعازم على استعادة حريته التي صادرها الخونة الانقلابيون. وإن أثبتت ليلة أمس شيئا بمظاهرات رمزية في الجيزة والوراق والمعمورة والعياط وصول وأسوان، فهي تؤكد أن بداية الفيضان نقطة. والسيسي لم يأت للسلطة كسياسي يدير منظومة سياسية، وإنما كعسكري ينظر للدولة كمعسكر، لذلك تصادم بسرعة مع الشعب، وخسر مناصريه بسهولة، ووصل خلال سنوات قليلة إلى ما يشبه نهايات عصر مبارك والسادات، لذلك نهايته محتومة رغم أن اليقين غائب حاليا لدى الجميع تجاه مستقبل النظام، بغض النظر عما يحدث اليوم أو غدا. فهذه شجاعة فائقة أن يخرج مئات أو آلاف المصريين للاحتجاج دون حزب أو قيادة، ورغم تأكدهم أن حياتهم قد تكون الثمن بالرصاص في الشارع أو بالإهمال المتعمد في سجن، ورغم تحذير السيسي الصريح منذ أيام باستخدام الجيش "للإبادة"، ولكنها تؤكد أن جدار الخوف بدأ يتهاوى، فالخوف على مصيرهم يصير تدريجيا أكبر من الرعب من أسلحة السيسي المشهرة يوميا "لإبادتهم". خروجهم الرمزي أمس رسالة لأنفسهم، ورسالة من نوع آخر للمؤسسة العسكرية، وثالثة للمجتمع الدولي.