الصراع التركى اليونانى فى مياه شرق البحر المتوسط يشهد تطورات متسارعة قد تؤدى إلى نشوب حرب طويلة الأمد بين البلدين.. لكن ما قد يحول دون المواجهة المرتقبة التدخلات الأمريكية والأوربية بل والسيساوية ضد تركيا -بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان- فى محاولة لدعم اليونان والحد من النفوذ التركى الممتد من سورياوقبرص حتى ليبيا، الذى يبدو أنه يثير حنق الغرب والأمريكان ويجعلهم يحاولون وقفه وتقليصه بكل الأوراق المتاحة فى أيديهم ومنها تحريض نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبد الفتاح السيسي ضد تركيا. كانت السفن الحربية لتركيا واليونان قد استعرضت قوتها في منطقة شرق البحر المتوسط المتنازع عليها، بعد أن أضاف السباق على احتياطيات الغاز والبترول نقطة خلاف جديدة للخلافات القديمة. صب الزيت على النار الولاياتالمتحدة قررت اتخاذ خطوة جديدة لصب الزيت على النار وإشعال التوتر بين الخصمين التاريخيين فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده رفعت القيود المفروضة على بيع سلع وخدمات دفاعية غير فتاكة لجمهورية قبرص للسنة المالية القادمة. ووصف بومبيو جمهورية قبرص بأنها شريك رئيسي للولايات المتحدة شرق البحر الأبيض المتوسط، معلنا في تغريدة على تويتر أنه يعمل على تعميق التعاون الأمني معها. فى المقابل انتقدت تركيا الخطوة الأمريكية وهددت باتخاذ خطوات للرد عليها. وحذرت الخارجية التركية من ان قرار الولاياتالمتحدة رفع الحظر عن تصدير الأسلحة للشطر اليوناني من قبرص يُسمِّمُ جو السلام والاستقرار في المنطقة ومنافٍ لروح التحالف بين البلدين. وكشف وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن اليونان تقوم بخطوات استفزازية في بحر إيجه والبحر المتوسط، بدعم من الدول الأوروبية. وقال إن جزيرة ميس -التي تبعد عن اليونان 580 كلم- تبعد عن أنطاليا 2 كلم فقط، وحجمها 10 كلم مربع، وبسبب هذه الجزيرة تطالب اليونان ب 40 ألف كلم مربع من المياه. وأكد أوغلو -خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الجزائري في أنقرة- أن بلاده لن تسمح لأحد بالتعدي على حقوقها، وأنها لا تعتدي على حقوق أحد. ووجه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تحذيرا قويا لليونان قائلا : إذا انتهكتم حدودنا فردّنا معروف. وأكد أن بلاده تدعم الحوار دائما ولا ترغب في حدوث نزاعات. كما انتقدت قبرص الشمالية (قبرص التركية)، قرار الولاياتالمتحدة برفع حظر السلاح عن قبرص الرومية، معتبرة إياه بالخاطئ والمخيب للآمال. وبهذا القرار تنضم الولاياتالمتحدة الى جانب الاتحاد الآوربى لدعم موقف اليونان فى مواجهة تركيا حلف الناتو وقد تعول الدولتان على تدخل حلف شمال الأطلسى "الناتو" -وهما عضوان فيه- لإنهاء النزاع بين البلدين، وفى هذا السياق قال ينس ستولتنبرج، الأمين العام للناتو، إن الحلف يبحث سبل تجنب الصدامات العرضية في شرق البحر المتوسط، ويدرس ما يسمى بإجراءات منع الاشتباك لمنع وقوع حوادث بحرية، في منطقة تعاني من الاحتقان بشكل متزايد. وأضاف في مقابلة بعد اجتماعه مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي أن وجود الكثير من السفن، والعتاد العسكري في منطقة محدودة للغاية، هذا في حد ذاته سبب من أسباب القلق. يشار إلى أن تركيا واليونان انضمتا إلى حلف الناتو عام 1952، في سياق الخوف من التمدد السوفيتي غربا. وفي عام 1954، شكّلت تركيا واليونان حلفا بلقانيا مع يوغسلافيا كان هدفه التصدي للاتحاد السوفيتي، لكن سرعان ما تدهورت العلاقة بين الجارتين مرة أخرى نتيجة الخلاف حول جزيرة قبرص والمواجهات حول بحر إيجة. وتتواصل المزاعم بينهما حتى الآن بانتهاك المجال الجوي والمواجهات البحرية على المياه الساحلية وغيرها، وتعتبر كل من تركيا واليونان بعضهما بعضا أكبر تهديد عسكري للآخر. وتنص المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، على اعتبار أي هجوم على أي دولة من دوله بمثابة هجوم على جميع هذه الدول، لكن الميثاق لا يحدد ما الذي سيحدث بالضبط إذا هاجمت دولة عضو في الحلف بلدا آخر عضوا في الحلف. ويؤكد قانونيون أن الناتو هو تحالف دفاعي لحماية الدول الأعضاء، لا لدعم طموحاتها العسكرية، وبما أن التحالفات لا تتوقع أن يكون أحد أعضائها خارجا عن الإجماع فإنّ حلف الناتو ليست لديه أية قواعد رسمية تحكم طرد الأعضاء حال قام أحدهم بمهاجمة عضو آخر. الاتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبى يحاول الظهور بموقف محايد إزاء الصراع على عكس الحقيقة حيث تؤيد دوله اليونان ضد تركيا وهذا ما كشفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التى أكدت أن جميع دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بدعم اليونان في أزمة شرق المتوسط. وقالت ميركل في مؤتمر صحفي إنها بحثت مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تطورات النزاع الناشب بين تركيا واليونان. مشددة على أن من واجب دول الاتحاد النظر لحقوق وتصريحات اليونان بجدية ودعمها عندما تكون محقة. وأضافت أنها بذلت جهودا من أجل منع تصاعد التوتر، وهذا الأمر أحيانا لا يتحقق سوى من خلال التحدث بشكل متكرر بين الطرفين، مشيرة إلى أنه لا يمكن إجراء نقاشات منفردة بشأن تخصيص المناطق الاقتصادية، وألمانيا تسعى من أجل ذلك. ولفتت المستشارة الألمانية إلى أنها تجري مباحثات مكثفة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول العلاقات مع تركيا مؤكدة أن هذه العلاقات متعددة الأوجه، فتركيا حليف في الناتو، والخلاف يدور بين عضوين في الناتو، وهذا لا يمكن أن يتركنا غير مبالين. وأشارت ميركل إلى أن هذه الأمور تحتاج للتوضيح داخل الحلف، وأكدت أنها تجري محادثات مكثفة أيضا في هذا الإطار مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. علاقة أفضل وعلى المستوى الرسمى للاتحاد قال جوزيب بوريل منسق الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد يريد إعطاء فرصة لحوار جاد بين تركيا واليونان، لكنه لوّح بإمكانية اتخاذ إجراءات ضد أنقرة إذا لم تحرز تقدما لحل الخلاف بشأن التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط. وأضاف بوريل إن الإجراءات يمكن أن تشمل الأفراد أو السفن أو استخدام الموانئ الأوروبية، لافتا الى أن الاتحاد الأوروبي سيركز على كل ما يتعلق ب"الأنشطة التي نعتبرها غير قانونية". ودعا أنقرة للامتناع عما أسماها الإجراءات الأحادية، ملوحا بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية عليها. وأضاف: نريد البحث عن طريق لعلاقة أفضل تضمن كلا من المصالح الأوروبية والتركية، ولهذا علينا أن نسير على خط فاصل بين الحفاظ على مساهمة حقيقية في الحوار وفي الوقت ذاته إيجاد قوة متكاملة في الدفاع عن مصالحنا المشتركة. الطرف الرابح وإزاء المواقف الأوروبية التى لا تلتزم بالحياد أكد القيادي رسول طوسون في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم أن اليونان لا تستطيع مواجهة تركيا برا أو بحرا أو جوا، مشيرا الى ان أنقرة تمتلك امكانات عسكرية ودبلوماسية تجعل منها الطرف الرابح في أي مفاوضات أو معارك شرقي المتوسط. واعترف طوسون يأن هناك رغبة كبيرة من قبل الولاياتالمتحدة، ودول أخرى، بعدم الزج بالحلف الأطلسي في هذا النزاع، حتى لا يتورط في نزاعات بين أعضائه. وقال إن تركيا تتعامل وفقا للقانون الدولي، كما أنها تدافع عن حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك في شرق المتوسط، مرجحا عدم حدوث صراع عسكري بين تركيا واليونان في ظل مساعي الناتو الرامية لتحقيق التهدئة. وشدد طوسون على أن تركيا لا تطمح بأخذ حقوق الآخرين، ولن تدير ظهرها للمباحثات السلمية، لكنها لن تتراجع عن موقفها مشيرا إلى أن بلاده قد توقف عمليات التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط لبعض الوقت، في سبيل إنجاح أي وساطة من الناتو وألمانيا. وقال إن أي مشروع للطاقة في المنطقة لا يملك فرصة للبقاء دون مشاركة تركيا، خاصة أن أقصر طريق لخط أنابيب غاز من المنطقة إلى أوروبا سيكون من شمال قبرص عبر تركيا.