قرار حكومة الانقلاب بإلزام جميع المواطنين بارتداء الكمامة في الشوارع والمواصلات العامة والخاصة والمنشآت الحكومية والخاصة بدءا، من 30 مايو الجاري، وهو الموعد الذي حددته حكومة الانقلاب لاستئناف العمل وعودة المصانع إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، فتح الباب على مصراعيه للتساؤل حول خلفيات القرار وعلاقته بتعزيز بيزنس المؤسسة العسكرية؛ ذلك أن قرار الحكومة تزامن مع توجيه خطاب لوزارة الإنتاج الحربي، التابعة للجيش، بتصنيع نحو 4.5 مليون كمامة من القماش يوميا. وما يثير كثيرا من الشبهات أن الحكومة قررت إلغاء الأسعار الإلزامية للكمامات ومواد التعقيم والتطهير، ما يعني أن الأمر تحول إلى بيزنس بالمليارات من جيوب الشعب المطحون الذي سيكون ملزمًا بشراء كمامات الجيش حتى دون معرفة مدى جدواها الصحية، وكم تستغرق حتى يتم تغييرها. في هذا التقرير نرصد أبعاد هذا القرار الذي يستهدف في المقام الأول تعزيز بيزنس المؤسسة العسكرية. أولا: ارتفع سعر الكمامة العادية من القماش التي يستخدمها المواطنون في المنشآت الصحية من جنيه ونصف الجنيه قبل الوباء إلى ما بين 4 إلى 6 جنيهات، بينما يراوح سعر الكمامة الجراحية بين 75 و100 جنيه حاليا إذا وُجدت. وأعلنت نقابة الصيادلة من قبل أن سعر الكمامة العادية لدى باعة الجملة أصبح 3 جنيهات، بعدما كان سعرها جنيها واحدا، وهو ما يبرر من وجهة نظر الصيادلة السعر المطروح للمواطنين حاليا.
غير أن الانعطافة المهمة في هذا الملف حدثت منتصف شهر إبريل الماضي، عندما أصدر رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي قرارا مفاجئا بوضع تسعيرات إجبارية لكل أنواع أدوات الوقاية من كورونا، من المطهّرات الكحولية حتى الكمامات، بأسعار منخفضة بالفعل عمّا تباع به تلك الأدوات في الصيدليات ومنافذ بيع الجيش والإنتاج الحربي على السواء. ثانيا: أفضى قرار حكومة الانقلاب، منتصف إبريل، إلى اختفاء الكمامات ومواد التعقيم بنسبة تصل إلى 80% وبات الحصول عليها شاقا للغاية، وخلال الشهور الثلاثة الماضية شهدت الأسواق المصرية شحا كبيرا في مستلزمات الوقاية من العدوى مثل الكمامات والمعقمات والمواد المطهرة. وتبيّن بمرور الوقت احتفاظ الجيش بكميات كبيرة منها، وطرْح قسم منها للبيع التجاري في منافذه أو من خلال نقاط بيع محددة في الأسواق والضواحي والمنشآت الحكومية، بأسعار بدت منافسة لتلك المطروحة في الصيدليات، لكنها في الواقع فاقت بكثير سعر الكلفة أو حتى السعر الذي كانت تباع به تلك الكمامات في الأسواق قبل الوباء. ثالثا: قرار حكومة الانقلاب بالتسعيرة الجبرية وضع المؤسسة العسكرية في موقف حرج وكشف عن انتهازيتها وممارسة السمسرة والبيزنس على حساب الشعب المسحوق بفعل فشل نظام الحكم العسكري؛ ذلك أن منافذ الجيش ظلت تبيع الكمامات ومواد التعقيم بأسعار أعلى من السعر المقرر في التسعيرة الجبرية التي أعلنتها الحكومة. بينما أخفت الصيدليات والمستوردون ما في مخازنهم انتهازا لفرصة تحقق لهم أرباحا خيالية من الأزمة. وبضغوط من الجيش والمستوردين والغرفة التجارية تراجعت حكومة الانقلاب يوم 13 مايو عن قرارها السابق، في إعلان صريح عن انتصار شبكة المافيا من كبار الجنرالات وحيتان رجال الأعمال. رابعا: الأكثر خطورة أيضا أن استخدام الكمامات القماشية محفوف بالمخاطر، لأنها غير مطابقة للمواصفات الطبية للحماية من العدوى، فهي تفقد فاعليتها بمجرد تعرضها للرطوبة أو المياه أو العرق، ما يوجب أن تحوي طبقتين أو ثلاثا من القماش المعالج، تفصل بينها مواد ورقية أو بلاستيكية، كي تكون فعلاً صالحة للوقاية من العدوى الفيروسية. وبحسب تقرير لصحيفة "العربي الجديد" نقلا عن مصادر بوزارة صحة الانقلاب، فإن "كل الكمامات القماشية التي طرحت في السوق المصرية حتى الآن، في محاولة للحاق بركب تعليمات الحكومة غير مطابقة للمواصفات العالمية، أما الأعداد المليونية من الكمامات التي ستنتجها وزارة الإنتاج الحربي، فلم تبصر النور حتى الآن ليتم الحكم عليها. ويشير إلى أن "وزارة الصحة سبق أن نصحت الحكومة بعدم الإقدام على خطوة تعميم الكمامات القماشية قبل اختبارها لأسابيع عدة، حتى لا تتحول من أداة للوقاية إلى أداة لنشر العدوى بطريقة أسرع، خصوصاً في أوقات الصيف الحارّة". خامسًا: من المحتمل أن يفضي قرار حكومة الانقلاب بإلزام المواطنين بارتداء الكمامة بدءا من 30 مايو الجاري، إلى حرب طاحنة في السوق نتيجة ضعف المعروض من جهة والسلوكيات الشرائية الناجمة عن القلق من جهة أخرى، كشراء كميات كبيرة والتخزين في المنزل أو في بعض الأجهزة والمؤسسات والشركات الخاصة والأندية وغيرها، تحديدا بعد التلويح بعودة الأعمال بشكل كامل منتصف الشهر المقبل. علاوة على ذلك فإن الكميات الواردة حديثا من الصين لن تطرح في الأسواق بأي حال، بل سيُوزَّع القسم الأكبر منها على المستشفيات وستُخصَّص أقسام أخرى للمؤسسات الحكومية التي ستعود للعمل بشكل كامل الأسابيع المقبلة، مثل المحاكم والشهر العقاري والمرور وغيرها. خلاصة الأمر، يمثل قرار حكومة الانقلاب بإلزام المواطنين بارتداء الكمامات بدءا من 30 مايو الجاري ليصب بشكل مباشر في تعزيز بيزنس المؤسسة العسكرية لأنها لا توفر السلعة الضرورة للمواطنين بأسعار التكلفة لكنها تبيعها بأسعار تجارية، ما يعني أنها تمارس السمسرة والبيزنس على المواطنين الذين يفترض أنها تحكمهم لتحميهم لا لترمي بهم إلى التهلكة بتعزيز إمبراطوريتها الاقتصادية من جهة، واحتكار الحكم والثروة في البلاد من جهة ثانية في صورة أكثر بشاعة من الإقطاع المزعوم قبل انقلاب 23 يوليو 1952.