أنهى رئيس الحكومة اللبناني المكلف حسان دياب استشاراته النيابية غير الملزمة مع الكتل النيابية بهدف تشكيل الحكومة المقبلة، وسط انقسام بين الأحزاب وداخل الشارع اللبناني الواسع في الموقف من الانضمام إلى تشكيلته الوزارية المرتقبة ودعمها في مواجهة الأزمة. كيف تبدو وضعية حكومة دياب المرتقبة في ضوء خارطة المواقف في الداخل اللبناني من رئيسها ومن الاستعداد لدعمها؟ وأي حظوظ لحكومة دياب للخروج بلبنان من أزمته بالنظر إلى المواقف المتخذة بشأنها داخل البلاد وأيضا خارجها؟ يعد بتشكيل الحكومة في وقت قياسي بالمقارنة مع سابقاتها، ويتعهد للاستجابة لمطالب الحراك اللبناني ويحاول طمأنة الشارع السياسي أنها لن تكون حكومة مواجهة مع أي طرف. رغم كل ذلك تقول المؤشرات: إن مهمة حسان دياب لن تكون سهلة، خصوصًا بالنظر إلى مواقف العديد من الأحزاب البارزة بعدم المشاركة في تشكيلته الوزارية، وكذلك لتظاهرات غاضبة استقبلت تكليفه. انقسام في المواقف طاول حتى الحراك نفسه وسط مخاوف من أن يؤثر كل ذلك على استعداد دول معنية لمساندة لبنان في تجاوز محنته الاقتصادية في حال توقفت عند طبيعة الغطاء السياسي الذي ستولد تحته حكومة حسان دياب المرتقبة. ما أصعبها من مهمة، ليس من أحد سيحسد عليها رئيس الحكومة المكلفة في لبنان، ويبدو هذا الأكاديمي في عجلة من أمره لتأليف ما يريدها حكومة اختصاصيين ومستقلين. ويفترض من استشاراته غير الملزمة مع الكتل النيابية والنواب المستقلين ورؤساء الحكومة السابقين أن تعينه على ذلك، لكن هل يملك حسان دياب القوة الدافعة اللازمة لإنجاح مهمته؟ ربما كان زهد تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري في تسمية رئيس للوزراء قد سهل ظفر دياب بالتكليف غير أن الرجل بدا لمراقبين سريعًا، أو هكذا أريد له أن يبدو مفتقدًا لغطاء مكونه الطائفي، فالغطاء السني إذا أتيح له سيحول دون تشكيل ما قد توصف بحكومة تحد أو مواجهة بعيدة عن روح ميثاق العيش المشترك. يتبدى التحدي الأبرز هنا في امتناع كتلة المستقبل عن المشاركة في حكومة دياب ولعله أيضا مآل توحي به ردة الفعل الغاضبة والعنيفة أحيانا في الشارع المحسوب على ذلك المعسكر. صحيح أن الحريري دعا أنصاره إلى التهدئة وتلافي الصدام مع قوى الأمن والجيش، غير أنه يدرك حتمًا أن هذه المظاهر يمكن أن تسهم في إسقاط اسم دياب من قبل الشارع السني تمامًا، كما فعل من قبل مع أسماء غيره رشحت لرئاسة الحكومة. ليس الظفر بالتأليف إذن نهاية المطاف يصعب التنبؤ بطبيعة الحكومة التي يريد حسان دياب أن تبصر النور في غضون أسابيع، فكتل كالمستقبل والاشتراكي واللقاء والقوات ترفض المشاركة فيها بأي شكل كان، فهل ستكون حكومة خبراء. يسأل متابعون. وهل سيتم الحراك الشعبي فيها؟ وهل ستكون الأوسع تمثيلا كما يريدها حزب الله وحلفاؤه أم سيكون اللبنانيون بصدد حكومة تكنوسياسية غير متجانسة يستأسر بها معسكر بعينه؟ إنه خيار ينطوي على مخاطر ينبه لبنانيون، فحكومة بتلك الملامح لن تعقد المشهد الداخلي فحسب وتزيده تأزمًا، وإنما قد تكون في مواجهة مع أطراف دولية مدعوة في هذا الظرف الحرج للإسهام في انتشال اقتصاد لبنان من الانهيار، وتلك في الأصل مهمة حكومة لا يريد الشارع أن تكون ثمرة تسويات سياسية بين أحزاب السلطة، وإنما حكومة خبراء صرفة لا تنبثق من الطبقة السياسية المرفوضة من الحراك الشعبي، لكن الحركة الاحتجاجية نفسها لا تبدو لمراقبين بأفضل حال؛ ليس فقط من حيث انقسامها حول الموقف من حكومة دياب المستقبلية وقدرتها على التعامل مع مطالب المحتجين، بل لأن الشارع من جهة بدأ النفس الطائفي يتسلل إلى مرابعه. ومن جهة أخرى يبدو الحراك حتى الآن عاجزًا عن فرض نفسه لاعبًا رئيسًا مؤثرًا في المعالة السياسية.