أكد الدكتور محمد المختار المهدي- الرئيس العام للجمعية الشرعية - علي أهمية الربط بين العمل الدعوي والعمل الخيري والتكافلي معتبراً ذلك الربط لا ينفصم عن العبادة بمعناها الواسع، كما أن فيه إلزاما يدخل للمسلمين جميعاً من باب فروض الكفاية، لافتاً إلى أن رعاية الأيتام وعلاج المرضى وتقديم الخدمات لأصحاب الحاجة من أسباب القوة التي أمرنا بها الله عز وجل. وأوضح المهدي في حواره مع "الحرية والعدالة" أن الإدعاءات من قبل أي شخص أو جهة أن الجمعية تمول الإرهاب، فذلك مجرد أكاذيب وافتراءات واتهام بلا بينة ولا دليل؛ فالإرهاب فعل لابد له من أثر، ولا يوجد لدينا أي أثر لعنف أو جرائم، وأشار إلى الربط الظالم بين العمل ذي المرجعية الإسلامية وبين الإرهاب إنما هو حلقة من حلقات التدافع والصراع بين الحق والباطل، لأن هناك من لا يستطيع تصديق أن البذل قد يكون حسبة وابتغاء وجه الله لا لمصلحة عاجلة في الدنيا. وشدد المهدي على أن توجه الجمعية ومنهجها يرفض الدخول في عالم السياسة والحكم مهما كان، ولكنهم في الوقت نفسه لا ينكرون علي من يدخله، ولكن شريطة أن يكون بعيدا عن الجمعية ولا يقحمها في ذلك، لافتاً إلى أن الجمعية الشرعية أخذت علي عاتقها منذ عقود طويلة أن ترعي مشروعات خيرية عملاقة يقع في مقدمتها رعاية الأيتام وعلاج المرضى، مؤكداً أن المتبرعين يأتون للجمعية خصيصا لثقتهم فيها ومصداقيتها الظاهرة في إنفاق الأموال في مصارفها الشرعية. يشار إلى أن حكومة الانقلاب العسكري الدموي أصدرت مؤخراً قرارً بتجميد أموال عددا من الجمعيات الخيرية نظرا لنزعتها الإسلامية والتي بلغت 1055جمعية؛ ومن بينها 138 فرعا من إجمالي 1100 فرع على مستوى الجمهورية تابعين للجمعية الشرعية. يذكر أن الشيخ الدكتور محمد المختار محمد المهدي- هو أستاذ الدراسات العليا بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، الإمام الحالي للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية،و رئيس لجنة القرآن وعلومه والإعجاز العلمى بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية... وإلى نص الحوار ليست هناك فلسلفة غير عادية؛ لأن الدعوة في حقيقتها تنقسم إلى دعوة قولية وأخري عملية؛ فإذا لم يتم تطبيق الدعوة القولية بأفعال مباشرة على الأرض يكون تأثيرها ضعيفاً للغاية، فالسلوك ليس هو الذي نتحدث عنه، وإنما هو الذي نمارسه ونعمل به، وهذا هو ما يكون له تأثير حقيقي في عقل ووجدان الناس. فلو أننا أردنا أن نعلم طفلاً مثلا ألا يكذب وأخذنا في تحفيظه كافة الأدلة العقلية والنقلية علي ذلك، فلن يتأثر إلا بالقدر الذي يجد أهله من حوله يمارسون الصدق ويقولونه مهما كانت الظروف. فلابد إذن أن يتطابق القول مع العمل، وإذا كان ديننا الإسلامي الحنيف حضّ علي إطعام المسكين، ورعاية اليتيم، وإذا كنا نلهب آذان الناس مرارًا وتكراراً بهذه الأمور، فالجميع سيتساءل أين هو واقع المسلمين الذين يقومون بهذا، وأين هو احساسهم بعضهم ببعض، وروح التكافل التي تسود بينهم، بحيث يصبحوا كالجسد الواحد كما أخبر النبي-صلي الله عليه وسلم- ومن ناحية أخري لا تقل أهمية عن ذلك، فلدينا في الإسلام فروض هي فروض الكفاية؛ والتي ينساها كثير من الناس، وتعني أن كل ما جاء الأمر فيه للأمة كان علي جميع الأفراد أن يقوموا به، فإن قام به البعض سقط الإثم عن الجميع، وإن لم يقوموا به كانوا جميعا آثمين. كما أن الله تعالي عندما يقول:"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ.."؛ فقد جاء –سبحانه- بتلك "القوة" مطلقة، لتشمل كافة أنواع القوة ومعانيها؛ من القوة في العلم، البدن، الإيمان، والدفاع عن البلد. وفي هذا أمر بالإعداد للأمة كلها. وعليه تكون رعاية اليتيم أو علاج المريض؛ -خاصة لو أنها أمراض صعبة ومكلفة من باب إعداد تلك القوة؛ والتي تولينا نحن رفع الحرج فيها عن هذه الفئة-. ولكن أليس هذا هو دور الدولة؟ الأمر الإلهي والفريضة موجهة إلي الأمة كلها؛ والدولة جزء من الأمة، فإن قامت الدولة بكافة تلك الأدوار وأنفقت علي الأيتام ورعتهم وكفت المرضي الحاجة والسؤال، سقط بذلك الإثم عن الأمة كلها وعن الشعب، وإذا قام بهذا الدور الشعب فأيضا لا بأس، والمسألة مطروحة للتعاون. ومن أين تأتون بالأموال التي لديكم، وما هي دورة المال في الجمعية؟ المشكلة التي لا يريد كثير من الناس فهمها؛ لأننا نتفرد بتلك الفكرة أو الطريقة؛ فنحن بداية نستشعر حاجة العاجز أو المريض أو اليتيم، وذلك وفقا لفقه أولويات الحياة بدءا بالأشياء الأكثر إلحاحا ثم الأقل فالأقل، ثم نضع لذلك مشروعا متكاملا ونعرضه علي أصحاب الأموال وأهل الخير والبذل، أي أننا لا نأخذ منهم الأموال لكي نبني نحن المشروع، بل مثلا نطلب من احدهم بناء مستشفي وإعدادها وتسليمها للجمعية مكتملة، ويتوقف دورنا بعد ذلك علي مجرد الإدارة. فلا ننتهج آلية أن نحصل علي الأموال أولا من متبرعين وبناء علي ما يتوافر لدينا نري المشروعات التي بإمكاننا عملها، ولكن نراقب حاجة المجتمع ونطب من أصحاب الأموال أن يقوموا بدورهم. وأحيانا نتدخل لترشيح أصحاب خبرات في مجال ما، لكن الإنفاق لا نتولاه أبدا بالنيابة في إقامة المشروعات. ولكن هناك بالفعل أموال تتبع الجميعية في البنوك؟ هذه الأموال لها العديد من الاعتبارات، أولها أنها زكاة تصل إلي الجمعية لإنفاقها في مصارفها الشرعية، وكذلك هناك أموال كفالة عامة أو خاصة؛ فأما الكفالة الخاصة فتعني أن يأتي لنا من أهل الخير من يقول أنه قد لا يجد الوقت أو الفراغ ليأتي كل شهر ويدفع كفالة ليتيم ما بعينه، فمن باب التوفير علي هؤلاء المنفقين نقبل منهم أن يدفعوا كفالة السنة كاملة في بدايتها، ثم نقوم نحن بالإنفاق منها كل شهر علي الأيتام، وهذه كفالات لا يستطيع أحد مهما كان ولا حتي من الجمعية أن ينفقها في غير ما تم تخصيصها من أجله؛ لأنها كفالة خاصة لشخص بعينه، فهي وإن كانت أموال باسم الجمعية إلا أنها لصالح يتيم بعينه علي سبيل التحديد. أما النوع الثاني فهو الكفالات العامة لمشروع "كفالة الأيتام" برمته، وهنا منوط بنا نحن – كجمعية – أن ننظر لحال الأيتام بحسب ثلاث درجات قمنا بتقسيمهم فيها، الأول ليس لديه أي مورد للرزق غير الجمعية، وهذا من يستحق أكثر من غيره، وهناك درجة ثانية له معاش ولكنه قليل لا يكفيه، فيستزيد من الجمعية للإعانة علي الحياة، أما الدرجة الثالثة فيتيم لديه إرث وأموال ولا يحتاج منا الإنفاق، وإنما يحتاج إلي الرعاية والاحتضان نظرا لافتقاده الأب، ولذا تقوم الجمعية باحتضانه والإشراف علي تربيته وتحفيظه القرآن. ومن بين الأموال التي في البنوك أيضا أموال خصصها أصحابها كصدقة جارية، لإنفاقها في الحاجات التي تعود بالنفع والثواب علي أصحابها بعد وفاتهم، وكل بند من هذه الأموال له طريقة وآلية في الإنفاق لا يصح تعديها أو تجاوزها لأنها تعني أمرا ما من الناحية الشرعية، مثل أن يشترط أحدهم في صدقته الجارية ألا يتم إنفاقها إلا علي المرضي أو مرضي الأورام بالذات، وهذا ليس لنا أبدا أن نتجاوزه بل لابد من الالتزام به. هل حفظ القرآن شرطا من قبل الجمعية لاحتضان الأيتام واحتواءهم؟ لا ليس شرطا؛ وإنما تشجيعا لليتيم علي حفظ القرآن نضع له كفالة خاصة بذلك أي زيادة عما يأخذه غيره؛ ولكن إن أبي استمرت نفقة المعيشة والتعليم كما هي. ما المشروع الذي تري أن الجمعية أسهمت فيه بباع كبير، واستطاعت من خلاله أن تؤدي ما لم تؤده أية جمعية أو مؤسسة أخري؟ البداية في مشروعات الجمعية كان لكفالة الأيتام، وقد تنبهنا لهذا قبل أية مؤسسة أخري، فهو من ناحية طاعة لله عز وجل وتعبدا له سبحانه بذلك، ومن ناحية أخري فهي طاقة لابد أن يتم توجيهها بشكل جيد؛ ولذا فقد تابعنا كثير منهم إلي أن وصلوا إلي درجة الدكتوراة في كثير من مجالات الحياة، فهو بالنسبة لنا كنا نرعاه كيتيم حتي وصوله إلي سن البلوغ، ولكننا عندما نجده مواظبا ومجتهدا ومحبا للعلم، نعطي له تحت بند "إعانة دراسة"، خاصة أن طالب العلم يعتبر من الناحية الشرعية من المصارف المستحقة للزكاة، وفي كل عام لنا احتفال بهؤلاء المتميزين الذين يحصلون علي درجات وتقديرات مرتفعة أو يحققون نجاحات مميزة. والحقيقة أن رعاية الأيتام أتاحت لنا مشروعات مرتبطة بها كثيرة مثل تزويج الفتيات اليتيمات ومساعدتهم، تشغيل أمهات اليتامي، رعاية المعاقين خاصة من الأيتام والذين يحتاجون إلي أجهزة دقيقة ومتخصصة، محو أمية أمهات الأيتام وتدريس الدين لهن كي ينعكس علمهن علي تربية أبنائهن وعلي اكسابهن الصبر علي مشقات الحياة المريرة والصعبة عليهن. وعقب ذلك انتقلنا لشرائح المجتمع الأخري التي تحتاج إلي الرعاية الصحية، ثم انتقلنا إلي قضية التنمية والتي تشمل تشغيل الشباب في المشروعات الصغيرة، أو تنقية المياه من باب أن ذلك حربا وقائية ضد الأمراض، وفي هذا الإطار لدينا مشروعات كثيرة تدخل في نطاق فكرة التنمية. بماذا تفسر ثقة كل هؤلاء الذين يتعاملون معكم ويضعون أموالهم لديكم ؟ ذلك نظرا لمصداقيتنا التي يلمسها الجميع، فإذا أراد أحد أن يتتبع يتيماً ما انتدبنا لمتابعته والإنفاق عليه، فسيذهب لبيته ومدرسته ويري كيف تصله الأموال وكيف نبر بإنفاقها كما أرادها صاحبها. كذلك يتأكد من ينفق علي المستشفيات والأمراض إذا كانت الأموال تصلهم أم لا، وهكذا فقد تأكد للجميع عبر عقود طويلة كيف كنا نبر بالإنفاق في المصارف المحددة والمعتبرة. فمشروعاتنا واضحة وعلنية وليس لدينا أمور سرية نخفيها. وكيف تري المجتمع إذا غابت عنه تلك المشروعات الخيرية؟ لا مراء أنه سيتأثر كثيرا، وسيتحمل الجميع المسئولية، فنحن نتعبد إلي الله بمنع تخريب المجتمع علي أيدي هؤلاء اليتامي إذا ضاقت بهم الأحوال وصاروا مثل الكثيرين من المشردين وأطفال الشوارع والأزقة، الذين لم يشعروا بحنان المجتمع، فهذا هدف كبير، كذلك فهذا اليتيم إذا انصلح حاله في صغره، سيعمل هو في كبره علي إصلاح المجتمع. أي أن واجبنا هو منع آذاه من جهة والانتفاع بطاقته من جهة أخري. في حين أننا نعمل هذا لوجه الله تعالي ولا يأخذ القائمون علي إدارة الجمعية أية أموال أو رواتب، فقط الموظفون هم من يتقاضوا رواتبا، أما نحن المشرفين والقائمين عليها لا نأخذ مليما علي شيء. علي مدي عقود عمل الجمعية منذ 1912، هل وجه لكم أحد من قبل تهمة الإرهاب ؟ لا علي الإطلاق، فبداية من العصر الملكي ومن بعده الجمهوري، كان من يحكمنا هو المنهج الذي نعمل في إطاره، وهو منهج وسطي معتدل لا يقترب من أي فصيل أو تيار أو توجه، ولا يمارس السياسة أبدا، ولم يتهمنا أحد من قبل بتمويل الإرهاب أو ما شابه، وهذه هي فعلا الحقيقة. هل من الممكن أن يتم تفسير توجهكم ببعض المشروعات التنموية خارج مصر بسوء نية؟ نحن نسير بالقانون، ولا نخرج بمشروعاتنا خارج البلاد إلا في الحدود التي يسمح بها القانون، وبموافقة رسمية من الدولة، وكذلك يأتي دورنا الخارجي ليس لأننا الجمعية الشرعية ولكن لأننا كمؤسسة أعضاء في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، فمن خلاله يتاح لنا المشاركة في بعض المشروعات الخيرية الخارجية. وهذا المجلس يرأسه في الأساس شيخ الأزهر، أي أننا لم نتعد القانون في هذا، كما أن الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة التضامن يقومون بالإشراف علينا كجمعية ويطلعون علي إدارتنا للأموال وآليات إنفاقها، ودائما تقاريرهم عن انتظام العمل وضبطه لدينا تُشَّرف أي جمعية. لماذا يتم الآن الربط بين الجمعيات الخيرية وبين الإرهاب لمجرد أن مرجعية العمل الخيري مرجعية إسلامية ودعوية؟ الحقيقة أننا لا نستطيع أن نغفل كلام الله تعالي؛ حين يقول:"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...". فالحرب بين الحق والباطل، الإصلاح والفساد، وبين الضلال والهدي، مستمرة من بدء الخليقة إلي نهايتها؛ ولذا فنحن لا نستغرب الأكاذيب أو الافتراءات علي العمل الصالح، أو العمل الدعوي، فمن المفترض أن يحكم الناس علي الأعمال، أما النيات فلم يطلع عليها أحد حتي يرمي غيره بالإرهاب أو خلافه، طالما أن منجزه ومنتجه في النهاية لا علاقة له بأي إرهاب أو ما هو علي شاكلته. فالإرهاب له أعمال وعلامات تظهر، وطالما هي غير موجودة، فكيف نرمي الناس أو الجهات لمجرد الظن أو توقع سوء النية. فمثلا عندما يقول أحدهم أننا نكفل الأيتام لكي ندعم الإرهاب، فقد كان من الأولي بنا إذن ألا نخدمهم ونتركهم يموتوا وانتهي الأمر برمته من الأساس!! فهناك من لا يتصور أن هناك أناس يقومون بالعمل الخيري ابتغاء وجه الله تعالي؛ ذلك لأن فلسفة من يتهم أن لكل عمل لابد له من مردود ومصلحة خاصة، وفاقد الشيء لا يعطيه. هل تتذكر إشادة أو علامة نجاح بارزة للجمعية الشرعية مررتم بها مؤخرا؟ نعم حصلت الجمعية علي جائزة الملك فيصل العالمية عام 2009 وذلك كما قال القائمون علي الجائزة لدور الجمعية في خدمة الإسلام والمسلمين، وكان من بين القائمين علي منح الجائزة وتقييم الأعمال؛ شيخ الأزهر، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ورئيس القضاء الأعلي في المملكة العربية السعودية. لماذا تصرون دائما أن الجمعية وأنشطتها بعيدة عن السياسة ؟ فلسفتنا أننا نربي الشعب علي الإسلام وليس من بين أهدافنا أن نسعي إلي الحكم، ولكننا نربي ونصبر، حتي يعرف الناس حقيقة الإسلام، وهم أحرار بعدها في اختياره، ولكن منهجنا ألا نتدخل نحن مباشرة في أمور الحكم والسياسة، وإذا رأي غيرنا أن عليه التدخل في أمور السياسة والحكم فله ما يري ولكن بعيدا عن الجمعية فلا نلوم من يري ذلك ولكن أيضا لا ندخل معه. ماذا بخصوص قرار التجميد الأخير، والذي تم تأكيد أنه لن يشمل الجمعية الشرعية الرئيسية وفروعها فيما عدا 138 فرعا تابعين لها؟ علي الجميع أن يتصرف في حدود القانون ونحن نتصرف أيضاً في حدود القانون.