انحدر الانقلاب إلى سُلَّمته الأخيرة وهو يحاول السيطرة على الأوضاع، فقد بدأ فى 3/7 وبيده (سيناريو النصر) الذى يقدم السيسى (كبطل قومى)، ويدشن الحدث (كثورة شعبية)، ويمتلك دوائر التأثير الأربعة (المجلس العسكرى – مؤسسات الدولة – الإعلام – الشعبية) وبالتالى ينفرد بالسلطة دون تنازلات، لكن صلابة الرئيس الشرعى ومؤيديه ألجأ الانقلاب إلى الصبر حينًا ثم ما لبث أن هبط "للسُلَّمة الثانية" وانتقل إلى سيناريو (التفاوض) والذى يقتضيه بعض (التنازلات المؤلمة) ضمانًا (لاستمرار تصدر المشهد)، وهذا السيناريو الذى تبلور فى ذهاب الوفد الأوروبى للمهندس "خيرت الشاطر" بمحبسه، لمحاولة إقناعه بالانخراط فى خارطة الانقلاب مع وعود سياسية مبشرة، ورفض "خيرت" وقرر أن المفتاح بيد الرئيس الشرعى، واستمر التفاوض ليشمل د. أحمد عبد الغنى، و أ. عصام سلطان، وآخرين كثر بداخل السجون، أو مع الوفود التفاوضية للتحالف. و إذ أصر التحالف على ثوابت الثورة ضد الانقلاب، تزايدت العروض الداخلية والخارجية فى إطار (استراتيجية التفاوض)، كما كانت الضغوط على أشدها للوصول إلى حل وسط يضمن عدم العودة إلى ما قبل 30 / 6، مع وعد بإيقاف الانتهاكات التى يمارسها الانقلاب من اعتقالات أو مصادرات أو حل للجمعيات والأحزاب. وإذ باءت هذه المحاولات أيضًا بالفشل، فقد صعَّد التحالف احتجاجه الشعبى ليحوله إلى (بواكير ثورة) عَبْر التوسع النوعى فى المقاومة سواء بمظاهرات الشوارع أو انتفاضة الجامعة، أو بحصار الانقلاب دوليا، ثم بالملاحقة الجنائية الدولية، بالتوازى مع تطوير لغة الخطاب بتنويع وسائط توصيل الرسالة من الشعار والورقة والمنولوج والاسكتش والعروض الساخرة بأنواعها بالإضافة للإعلام الإخبارى والتحليلى. هذا التوسع الأفقى والرأسى فى المقاومة أحبط السيناريو الثانى، وهو سيناريو (التفاوض والتنازلات المتبادلة) وكان من الممكن أن تكون المكاسب والخسائر متبادلة بين الطرفين، لكن تزايدت خسائر الانقلابيين بسبب فشل الحكومة المصاحب لصمود الثوار مما أدى تدريجيًا إلى انهيار الموقف التفاوضى للانقلابيين. ومن هنا هبط الانقلابيون إلى (السُلَّمة الثالثة) وهى ما يوصف (بسيناريو الكارثة) ؛و هو السيناريو الذى (1-يضمن بقاءهم) مع (2-ضياع السمعة) و(3-انهيار الأدوات) ورغم (4-خسارة الشعبية)، وبقدر الخسارة الحادثة فى كل عنصر يكون لجوؤهم لإجراء (انتحارى) للتعويض، لذا نرى: أولا- لحدوث تهديد فى (ضمان بقائه) كانت مبالغته فى (تهديد بقاء) الخصم قتلا واعتقالا وانتهاكا ومصادرة، وإقصاءً ثم شيطنة ثم حظرا ثم محاولة إعدامه دون محاكمة بتوصيفه إرهابيا!! ثانيا- وإذ أسقط الثوار (سمعة الانقلاب) فاضطروه إلى أن يضحى بالمبادئ الوطنية والثوابت الدستورية مثل: (استقلال القضاء)، (الشرطة فى خدمة الشعب)، (الجيش درع الوطن)، (الحرية حق دستورى.. إلخ)، حيث يساعدهم التحلل من المبادئ فى (تصدير الرعب للمواطنين)، ولا يهمه إذا ساءت السمعة أكثر ما دام يردع خصومه الذين أسقطوا سمعته، وهذا يتضح فى عدم الحرج من استخدام البلطجية المسلحين بجوار الشرطة والجيش واشتراكهم معا فى قتل وسحل المتظاهرين العزل، ويبرز كذلك فى سقوط القضاء المدوى فى أحكام شباب الأزهر (17 سنة) وفتيات 7 الصبح (11 سنة) ثم أحكام (الثلاث سنوات والسنة) للمتظاهرين، ثم فى تكميم الأفواه بإجراءات ميكانيكية مجنونة مثل اعتقال مؤيدى الانقلاب من 6 إبريل وغيرهم. ثالثا- أما انهيار (الأدوات الرسمية) فإنه يجبر السلطة على استحداث أدوات قمع (إجرامية)، ومن هنا كان التلويح بضم أطفال الشوارع لمعسكرات الجيش تمهيدًا -فى نظرنا– لإنشاء ميليشيا شبه عسكرية أعلى تدريبًا من البلطجية وأقل تكلفة (وصداعا!) من الضباط الرسميين جيشًا أو شرطة، ثم أضف تهديد (ساويرس) الذى تبعه نزول بلاك بلوك لتهديد المسيرات فى دمنهور، بالإضافة لتنفيذ عمليات (إرهابية ممنهجة) استغلالا لوجود مناخ يصدق بوجود أعمال (إرهابية حقيقية)، وذلك لخلق رعب يلوذ بسببه العامَّة بالسلطة، ولا يحاسبها عن إجراءات إقرار الأمن مهما كانت وحشية وغير قانونية. ومن أخطر الأدوات المنهارة فى الانقلاب هو الاقتصاد، الذى تتالت اعترافات الوزراء بانهياره، فرأينا مؤخرا قرارًا لم يتخذه مبارك منذ عام 91 وهو فك وديعة حرب الخليج التى تبلغ 60 مليار جنيها تقريبًا وذهب نصفها لسداد الدين وينتظر أن يذهب الباقى لدفع الرواتب، ثم اعتراف وزير الكهرباء بقرب انهيار القطاع، والذى أعقبه تجميد أموال أكثر من ألف جمعية تقدر أموالها بالمليارات ولا ندرى إذا كان القرار بسبب الاستفادة من الأموال رغم ما يجره هذا من سخط شعبى أم بسبب إملاءات خارجية أو طائفية. رابعا- ثم جاء (انهيار الشعبية) قبل استحقاقات تعتمد أساسا على هذه الشعبية وأولها الدستور، والاستراتيجية كما ترى مرتبكة، فقد بدؤوا بمحاولة جعل الدستور (نجم المرحلة)، لكن الانهيارات المتتالية أجبرتهم على جعله (كومبارس)، ولذا نتوقع استمرار إدخال الناس فى دوامات الرعب المجتمعية والفتن للجوء إلى (خندق الخوف) الذى يتمنى معه الناس الانتهاء من إقرار الدستور بأقصى سرعة وبأى أسلوب حتى ينتهى الجميع من هذا (الكابوس)!!، وكما توقعنا فى مقالات سابقة أن يبدؤوا بانتخابات الرئاسة قبل البرلمان، وذلك بسبب إدراكهم لتآكل دوائر عديدة من الشعبية، والقرار يعنى الإبقاء على كتلتهم الصلبة خشية أن يصيبها النخر وتتقلص هى الأخرى مع مرور الوقت، ولست أتصور أن المقصود بتبكير الرئاسة هو السيطرة على البرلمان وشرائحه، ففى هذا التفكير رفاهية لا يمتلكها الانقلابيون حاليا، لأنهم يعيشون يومًا بيوم كأصغر دكان فى أقل حى شعبى يتاجر فى (السجاير الفرط). يبقى من (سيناريو الكارثة) الإجراء الخامس [المتوقع] وهو (تَجَرُّعُهُم السم) وذلك حين يلجأون إلى تزوير الاستفتاء والانتخابات، وهو ما بدأ بالإغداق على القضاة فى الدستور وسحب ما يهددهم من بلاغات (التزوير-التربح) بل وقلب الطاولة على كبار القضاة الذين رفضوا الانقلاب وفضحوا الفاسدين (أحمد مكى وجنينة ورفاقهم التسعة)، وهذا التزوير بترتيباته الفاسدة سيكون انتصارًا ثمينا للثورة، حيث نكون قد أدخلناهم فى النفق المظلم، وكشفنا عنهم (غطاء الشرعية) الذى لامسوه بأحلامهم ثم انهار بسبب المقاومة العنيدة التى شوهتهم شعبيا وأسقطتهم دوليا. ومع (انهيار شعبيتهم) فإنهم لا ينامون خوفا من 25 يناير القادم والذى يترقب فيه العالم (طوفانا شعبيا) يؤيد الشرعية ويضع نقطة على آخر السطر، لتسقط أكذوبة (الإرادة الشعبية) التى أهالها الإعلام على الانقلاب. نتصور أن الاضطرار (لسيناريو الكارثة) بدأ بأحكام ال(17 سنة) لكن الإعلان عنه كان على لسان "ساويرس"، الذى أقر بوصول حالة القلق للشعب (شعب السيسى بالطبع!!)، وأقر (بعجز الجيش والشرطة)، ومن ثمَّ هدد بالصدام (الأهلى) العنيف، مما يؤكد رؤيتنا فى انهيار أدوات الانقلاب الرسمية ولجوئه لأدوات إجرامية. صمودنا وتضحياتنا تعنى انهيارهم. لسنا أول من قدم شهداء بالآلاف، فأكثر من ثلاثين ثورة فى 100 عام لم تبخل عن تقديم خيرة أبنائها ليتحرر شعبها، وقد انضممنا إلى (نادى الثورات الحقيقية) وقدمنا الثوار الحقيقيين. وضحينا بأزاهير شبابنا وفتياتنا. فالصمود … الصمود. فلقد -والله- اقترب غرقهم وهروبهم. مكملين لا رجوع