لا توجد حتى قطرات عرق يمكن مسحها من على الجبين ، أندريس ستيليانو لا يرى سوى ذرات النجيلة الطائرة مع غبار المضمار الرملي ، لا يتذكر حتى الطريق لنفق غرف خلع الملابس ، كل ما يراه هو ذلك المزيج بين القمصان البيضاء بالخطوط الخضراء العرضية وأفراد من جمهور المحلي احتلوا بالفعل ملعب جوزيه ألفالادي. ما بين الصراخ فرحاً أو إنتزاع قميص أو جورب من لاعب مشهور، يقرر ستيليانو البقاء في دائرة المنتصف رغم الكارثة، كان يشعر من داخله أنه ربما لن يتنفس هذه اللحظات مرة أخرى في حياته، حتى وإن كان لم يكمل ربيعه الثالث والعشرين، يتبادل النظرات والتحية من بعيد مع جواكيم كارفاليو حارس الفريق الخصم، ذلك الشعور بالتقدير والخجل وعدم إستعياب ثقل تلك الليلة من خريف عام 63، وسط كل تلك الأصوات المصبوغة بالبرتغالية يلمح ستيليانو من بعيد نيكاكيس كانتسيليريس زميله الشاب الذي كان يقلبه الجميع بالنابغة هو في يتقاسم نفس حالة التيه في منتصف الملعب وسط الغبار، كان يتابع زميله كانتسيليريس وهو ينظر لجزء ما في أعلى مدرجات الملعب، تلك النقطة التي تمكث فيها لوحة النتائج البلاستيكية.. سبورتنج لشبونة 16 – 1 أبويل نيقوسيا. أمران شغلا بال ستيليانو في تلط الطائرة العائدة إلى الوطن، ذلك المستقبل الذي كان ينتظرهما في حال استمراره في المسابقة، كان على بعد خطوة من اللعب في أولد ترافورد في دور الثمانية، وربما ليون الفرنسي في نصف النهائي، أحلام يقظة مدمرة بالنسبة لناد قادم من بلد حصل على استقلاله من الإمبراطورية البريطانية قبل ثلاث سنوات فقط، فريق في أول مشاركة له أزاح منافساً نرويجياً مثل يوفيك لين في الدور الأول بمجموع 7 – 0، كان الأمر يبدو وردياً قبل الذهاب لتلك "العلقة" في لشبونة ضمن كأس اوروبا للأندية أبطال الكؤوس، والتي حصد لقبها سبورتج نفسه بقيادة كارفاليو ونجم الوسط مورايش ذلك العام. الأمر الثاني كان يعصف بالفعل بذهن ستيليانوس وجميع رفاقه والخاص بمسقبلهم الشخصي كمواطنيين قبرصيين في ظل موجات العنف التي عصفت بالأب مكاريوس أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، ففي الحالة القبرصية أبويل هو نادي تكون حوله وطن، بلد يبدو كطفل لزوجين مطلقين، وتربى في كنف ثالث، يوناني الهوى، في أحضان تركيا، وبمزاج بريطاني، ممزوج بتقديس الأرذوكسية الشرقية، وعملية فكرة البيزنيس وإدارة العمال وتحقيق الأرباح التي ارتبطت طوال الوقت بجزيرة حافلة بالعديد من الموانىء في قلب المتوسط، وطن يبدو تائهة، بل وتستمتع بذلك أيضاً تماماً كهولاء اللاعبين الذين مكثوا في دارة المنتصف في ملعب لشبونة.. "إنه الكوكتيل القبرصي" الذي يلدغ اللسان للذاعته أكثر من حلاوة طعمه. أبويل تم تعميده، بل تفطيس جسده بالكامل تحت بحيرة السياسة في ليلة ممطرة داكنة في منتصف عشرينات القرن الماضي من محل بقلاوة، الإسم نفسه يبدو مانفيستو سياسي في حد ذاته "نادي يونانيي نيقوسيا لكرة القدم"، ذلك التصنيف المبكر، تلك الرغبة في الإنتماء لحضن الوطن الأكبر في الشمال، وتمزيق الصفحة (العثمانية – التركية)، إلى الحد الذي تتردد في فيه الأقاويل إن أحد شروط النادي الأولى هو منع أي لاعب من أصول تركية من اللعب بالألوان الصفراء والزرقاء مستقبلاً. تلك البذور اليمينية المتأصلة كانت من البدايات، طابع قومي خالص مهد لصدام سياسي بحت أثمر إنفصال عام 1948 الذي صنع الجناح اليساري بالنادي، والذين أسسوا بدورهم نادي أومونيا نيقوسيا الذي مازل محتفظاً بطابعه اليساري إلى جانب رفيق الدرب آيل ليماسول اللذان يمتلكان ألتراس هوايته إشهار المطرقة والمنجل مع كل دخلة لكلاسيكيات الدوري القبرصي حتى اليوم في وجه نظرائهم من أبويل، الذين يفخرون بكونهم وجه اليمين التقليدي (المتطرف في مواقف متفرقة) المحافظ للهوية اليونانية للوطن الذي يجد ضالته في ملاعب الكرة أكثر من الصالونات السياسية، أبويل ذلك النادي الذي كان يمثل خندقاً موازياً ضمن كتائب المقاومة للإحتلال البريطاني طيلة عقود طويلة. "الكوكتيل القبرصي" كان دوماً عنصراً مهماً على مائدة أبويل، تماماً كما دفع ثمن مقاومته للبريطانيين في الخمسينات، كان عليه دفع ثمن التذكرة التركية بعد أزمة 74، وذلك بالإنسحاب امام بيشكتاش في دوري أبطال أوروبا عام 86، ذلك الكوكتيل الذي كان يلازمه أيضا ً بين الشعور بالنقص المعتاد والشعور بإمكانية تسجيل لحظات تفوق لحظية، ترك دور حصالة الأهداف الذي يلاحق أي شيء يتبع لوكسمبورج، ليخنتشتاين، جزر الفارو، سان مارينو، ألبانيا، مالطا، فنلندا، (تركيا واليونان نفسيهما حتى نهاية الثمانينات)، دوماً كانت الكرة القبرصية تحاول ترجمة تميز لاعبيها الشباب بالسرعة والمهارة التي رافقت مسيرة لاعبين من أمثال ستيليانو وكانتسيليريس دون نجاح. محاولةً إنتزاع دعاية عابرة من حين لأخر، أغلبها بالزي الأزرق التقليدي للمنتخب الوطني أمام إيطاليا بطل العالم في تصفيات أمم أوروبا 84 أو أمام تشيكوسلوفاكيا في نفس المجموعة، أو الفوز على إسبانيا في تصفيات يورو 2000 قبل الوقوف على عتبة الملحق بفارق نقطة وحيدة فقط، ولا مانع من دعاية مماثلة بلا طائل في نهاية الأمر بتعادل بديع 4- 4 على أرض البرتغال من جديد في واحدة من أفضل مباريات عام 2010 على صعيد المنتخبات. وحده كان أبويل هو ذلك العنيد الذي يطرق باب كأس الإتحاد الأوروبي أو الأدوار التمهيدية لدوري الأبطال دون أن يجد له مكاناً في دوري المجموعات، يعاني مع بداية العقد الماضي من الرقص على السلم في عهد التضخم المالي على صعيد الأندية في أعقاب تحالف (بيريث – أبراموفيتش) وبين الإعتماد على القماشة المحلية من القبارصة واليونانيين التي طالما كانت العمود الفقري للفريق، رغم تواجد اللاعبين الأجانب على مدار تاريخ النادي حتى وصولهم على مدار تاريخ أبويل إلى 69 لاعبا يمثلون 30 جنسية مختلفة. إلا أنه تواجد يليق بالكوكتيل القبرصي المعتاد، كونها محطة في منتصف المشوار، أو ربما نهاية المشوار قبل الإعتزال، دوري "بواقي أوكازيونات" الدوري اليوناني والتركي، وهو ما يمتد أيضاً للمدربين، حتى أضحت نيقوسيا وليماسول مكاناً للمطاريد، ومنهم مدرب صربي يدعى إيفان يوفانوفيتش، كان عليه الانتقال بين الوطن الأم في الشمال وبين الملجأ في الجنوب من أجل الحفاظ على أكل العيش، كان يعلم أن أصحاب القمصان الصفراء كادوا يفعلونها عام 2003 بالدخول في دوري المجموعات قبل تلقي اللطمة من شقيق شمالي هو آيك أثينا، ثم في كأس الإتحاد الأوروبي موسم 2005 – 2006 بتجاوزه دوريين تمهيديين واللعب في الدور الأول قبل السقوط أمام هيرتا برلين. في ولايته الثانية منذ عام 2008 ترك يوفانوفيتش دور المرتزق جامع الأموال على نحو مؤقت في تلك الجزيرة المتوسطية، بالتأهل الأول من نوعه لدوري المجموعات موسم 2009 – 2010، كان تواجداً يليق بعظمة من حفريات عالم سحيق داخل مطحنة من الفولاذ، تضم تشيلسي، أتليتكو مدريد وبورتو، إلا أن عظمة يوفانوفيتش برهنت على في ومضات عابرة على تماسك نادر، تعادلين ثمينين أمام أتليتكو مدريد وأخر شهير في قلب ستامفورد بريدج، المكافأة كانت في ضياع فرصة اللعب في الدوري الأوروبي لصالح أتليتكو مدريد، والذي حصد اللقب في نهاية الموسم... ذكريات 63 – 64 من جديد. ركلة الترجيح من علامة الجزاء التي تصدى لها الحارس ديونيسيس تشيوتيس أمام باستوس يوم الأربعاء الماضي أعطت طابعاً يليق بسندريلا من نوع خاص، سندريلا بميزانية تقدر ب7 مليون يورو في تنتمي لمسابقة وديعة تدخل في إطار المنازلات الثنائية، سندريلا تعوم في بحر مجموعات قطر باريس سان جيرمان ومالاجا والإهتمامان الإماراتية في مانشستر، مطرقة بيريث وأي فاونديشن يجعل البارسا على قدميه، بحر تعيش فيه أغلب الأندية كابوس دفع رواتب لاعبيها، أبويل يبدو تحت إدارة يوفانوفيتش كنسخة كروية من جيمس برادوك الملاكم الأمريكي الذي حصد لقبه العالمي من قلب الأزمة المالية والكساد الإقتصادي. يوفانوفيتش حافظ على سياسة المرتزقة المخلصين التي لازمت النادي مدعماً إياهاً بسيطرة الطابع اللاتيني على أغلبها، جامعاً بين نظريات الفانتازي لييج وبين فرض إنضباط تكتيكي صارم، مختاراً فريقاً ذو ميول دفاعية واضحة مع إعتماد شبه كامل على الهجمات المرتدة، نسق يقترب من 4–2–3-1، قد يتحول إلى اللعب بمهاجمين في مباريات أخرى، نسق يعتمد على الحارس اليوناني تشيوتيس أحد مطاريد آيك أثينا مستمتعاً بمكانه تحت الشمس في سن الرابعة والثلاثين، أمامه البرازيلي مارسيلو أوليفيرا والبرتغالي باولو جورج على يساندهما بطل محلي عرف منتخب بلاده متأخراً بإسم سافاس بورسايتيديس ( 35 عاماُ) الذي يتمتع بمرونة شديدة في اللعب بأي طرف من طرفي الملعب كظهير، ولكنها مرونة يسودها تحفظ شديد في شقها الهجومي، تحفظ يقابله بعض الإندفاع من جانب برازيلي آخر هو وليام بوفينتورا على الطرف الآخر، أحد الأعمدة الأساسية في الفريق، ظهير لا يخجل من تسجيل الأهداف. وتدان برتغاليين في منتصف الملعب هما ونونو موراييش وهيليو بينتو ، الأول أحد مطاريد تشيلسي وجد نفسه في المنفى القبرصي، والثاني أحد مطاريد بنفيكا وأعمدة أبويل على مدار السنوات الست الماضية، وتدان تصل نسبة نجاحهما في التمرير إلى 76 %، وبدون إستخدام خشونة مبالغ فيها في إيقاف المنافسين (كلاهما أرتكب على مدار 8 مباريات 19 خطأ فقط ضد المنافسين)، بالمقارنة مع نسبة الفريق العامة والتي تعتمد على الضغط على الخصم وترك استحواذ الكرة له بشكل أساسي. أمامهما يقبع جناحان هما أخطر ما أفرزهما دوري الأبطال هذا الموسم، أولهما برازيلي ثعلبي من مطادريد بنفيكا أيضاً هو جوستافو ميندوكا، واحد من أفضل المتحركين دون كرة في الموسم الأوروبي الحالي، محرزاُ ثلاثة أهداف أمام زينيت وبورتو وأخيراً ليون، والثاني هو الداهية العجوز (31 عاماً) كونستانتينوس كارلامبيديس أحد مطاريد باناثنايكوس، وأحد أهم لاعبي المنتخب الوطني، وأحد أفضل عشرة لاعبين في التمريرات المساعدة في الموسم القاري الحالي، مشعلاً الجبهة اليمنى على الدوام، في هواية كررها مرتين أمام بورتو ، وأخيراً بإنطلاقة جريئة في الدقائق الأولى أمام ليون الأسبوع الماضي أسفرت عن هدف ميندوكا. المقدوني الدولي إيفان تريتشكوفسكي أحد مطاريد رد ستار بلجراد يقبع خلف رأس الحربة، وأحد أهم هدافي أبويل في البطولة المحلية، ومحرز هدف فريقه في معقل شاختار في الجولة الثانية من دوري المجموعات وهو واحد من أفضل الأهداف ذات الطابع الجماعي خلال دوري المجموعات لهذا الموسم، أمامه يوجد آيلتون أحد مطاريد كوبنهاجن الدنماركي، لا يعد هداف الفريق بشكل منفرد، متيحاً في فرص عديدة الفرصة بتأخره لتقدم كارلامبيديس وميندوكا في معظم الهجمات المرتدة، محتفظاً بأعلى نسبة تسديد على المرمى بين رفاقه برصيد ست تسديدات، محرزاً لهدفين خلال مشوار المباريات الثمانية حتى ربع النهائي. يوفانوفيتش لا يعير اهتماماً كبيراً لهاجس البارسا بالإحتفاظ بالكرة، مدركاً إقتصاديات الفقر التي يديرها ببراعة، مهدياً استحواذ الكرة للخصوم ومكتفياً بنسبة عامة 42 % لفريق خلال المشوار الأوروبي الحالي وهو خامس أقل معدل بين فرق البطولة ال32، بمتوسط تسديدتين على المرمى في المباراة الواحدة وهو معدل بالغ الندرة، بل إنه يقع خلف الثلاثي الذي رافقه في المجموعة بورتو وزينيت وشاختار، إلا أن الحصاد النهائي تمثل في 7 أهداف في 8 مباريات، وهو نفس معدل دخول مرماه الأهداف، فريق صارم مع منافسيه وهي التي جعلته ثالث أكثر فريق أرتكاباً للأخطاء بمعدل يتجاوز بقليل 15 خطأ في المباراة الواحدة ، وهو في نفس الوقت أكثر الفرق تعرضاً للأخطاء بين جميع فرق دوري الأبطال بمعدل 16 خطأ في المباراة. APOEL Vs Lyon 1-0 (4)-(3), 2012 (Champions League) by red_wing_21 يوفانوفيتش يمتلك أحد أهم متنافضات إقتصاديات الفقر في الموسم الحالي وهو حصوله على دكة بدلاء بالغة المرونة، ما بين الظهير المحلي اتوس سولومو، أو البارجواياني الخطير في وسط الملعب ألدو أدورنو أو المهاجم الأرجنتيني ستيبان سولاري (31 عاماً) الذي رافق آيتلون في الخط الأمامي كرأس حربي أساسي محل تريتشكوفسكي في مباراة ليون الأخيرة، والذي يعد ايضاً أحد مطاريد النادي الذين عادوا إليه بعد تركه عام 2007 فغي رحلة غير موفقة مع ألميريا الإسباني. يوفانوفيتش صمم السندريلا الخاصة به في أقل من ثلاثة أعوام، ففي حقيقة الأمر وجود أبويل في ربع النهائي لن يتمكن من إستيعاب أهميته إلا بعد بضعة سنوات في حقيقة الأمر، أن يتواجد فريق بهذه الإمكانات وسط برشلونة أو ريال مدريد أو الميلان، في الوقت الذي يتواجد فيه صديق الأمس سبورتنج لشبونة في الدوري الأوروبي برفقة مانشستر يوناتيد وباقي نادي الإكسلانسات الكروية، سندريلا واقعية إلى حد رتيب، يطارده دوره كحامل الراية القبرصية على الصعيد القومي، بإعتباره لدي البعض حزباً قائماً بذاته وفي نفس الوقت يعلم ذلك السندباد الصربي أن سبعة ملايين يورو سنوياً فقط هي التي تبقيه على قيد الحياة، لعبة الفانتازي لييج الواقعية والتي ليست بمحض الصدفة أيضاً أن يمارسها مغامرون أخرون في مثل هذا العام الخانق مثل ليفانتي في الليجا وميرانديس في كأس الملك، ومونبيليه في الدوري الفرنسي، ومونشنجلادباخ في البوندزليجا ، وكارديف سيتي في كأس كارلنج، ولا يمكن نسيان عصابة بلباو التي أحدثت بعد 24 ساعة من معجزة أبويل ثورة في ملعب أولد ترافورد قد يكون لها تبعاتها في القريب العاجل. أبويل كان في حاجة إلى أقل قليلاً من نصف قرن حتى يقترب من لشبونة من جديد، لقد استقر في إحدى مغامراته في إل دراجاو معقل بورتو، تلك الدقيقة الأخيرة التي وضع فيها ألدو أدورنو الكرة في جسد هيلتون حارس أصحاب الأرض، أمتار كانت تفصل المشاغب القبرصي عن فوز ذهبي، أدورنو وهيلتون تبادلا النظرات لثانية، تشاطرا معاً حالة عدم التصديق، كلاهما نظر بعد المباراة إلى لوحة التسجيل الألكترونية عقب النهاية وهي تشير إلى التعادل 1 – 1، نتيجة أرضت نسبياً العجوزين ستيليانو وكانتسيليريس في منزليهما بنيقوسيا، كلاهما سينتظرا من نفس المنزل أن تهديهما القرعة يوم الجمعة المقبلة زيارة إلى لشبونة نفسها هذه المرة.. إلى ملعب النور.