صديقي القارئ أوكد لك "من أولها" أن الأحداث التالية من نسج خيال الكاتب ولا تمت للواقع بصلة، خاصة أن منتخبنا لن يلاقي البرازيل وديا يوم الاثنين في قطر، وذلك لأن "مفيش دولة أسمها قطر أصلا". سأتحدث عن ردود الأفعال المبالغ فيها (الأڤورة) من جانب الإعلام في التعامل مع الحدث الذي يؤثر سلبا أو إيجابا على المنظومة الكروية ككل، ومحبي كرة القدم ومتابعيها، وعلى جهاز فني يتحسس طريقه في قيادة منتخب له وزنه. أعلم ان كثيرا من محبي الكرة يتأثرون بكلام المعلق خلال المباراة أو بحديث مقدم البرامج والمحللين في الاستديو التحليلي، فالإعلامي يملك القدرة على إقناعك بأن هذا الفريق أو اللاعب قدم أداءا سيئا رغم أنك شاهدته يلعب جيدا، والعكس صحيح. وبمناسبة ملاقاة البرازيل وديا، ستجد أن الفارق في المعاملة مع الحدث كالفارق بين سابع سما وسابع أرض، ففي السطور التالية ستجدون أحداثا (خيالية) في حالة الهزيمة "الأرض"، أو في حالة الفوز "السما". في الأرض هل تتذكرون "التريقة" التي نالها عصام الحضري وبشير التابعي ومحسن صالح عقب الخسارة بخماسية نظيفة من فرنسا وديا قبل ثماني سنوات؟. إذن عليكم تحضير أنفسكم لمشاهدة وقراءة مثلها بعد الخسارة من البرازيل في أول مباراة للجهاز الفني الجديد بقيادة الأمريكي بوب برادلي. فلنبدأ برأي أحد المحللين الجبارين الذي سيقول "هذه هي نتيجة الاعتماد على مدرب أجنبي، مستوى سيئ وخسارة من البرازيل، يجب إقالة برادلي والاستعانة بمدرب مصري مثل طارق يحيى أو شوقي غريب، قبل ما نرجع ونقول (ياريت اللي جرى ما كان)". أما من يبرع في اللغة العربية سيقول "هذا الأمريكي المتعجرف المتحذلق الذي جاء من بلاد العم سام أثبت فشله الذريع في أولى مبارياته، يجب عليه الرحيل فورا وتوفير أموال الدولة التي يصرفها سمير زاهر وأعوانه على هذا المدرب الهاوي وجهازه المعاون". في حين سينظر أحد الإعلاميين للكاميرا ثم يفصح "أنا من الأول قلت أن الراجل الأمريكي ده مش هاينفع معانا، دول ناس متعودين على النظام والترتيب لكن إحنا ماشيين ببركة دعا الوالدين"، "رايحين تجيبوا مدرب من أمريكا ودافعين بالدولار، وأدي النتيجة.. خسارة كالعادة". وبالطبع لو لعب برادلي بالحضري في حراسة المرمى وسكنت شباكه عدة أهداف سيقولون "ضعف مستواه كونه لم يشارك في المباريات منذ أكثر من ثلاثة أشهر، كان يجب إشراك الشناوي". أما في حالة حراسة الشناوي لمرمى مصر أمام هجوم البرازيل سيقولون "مازال صغيرا ولازال أمامه الكثير من أجل أن يصبح حارس مصر الأول، كان يجب إشراك الحضري صاحب الخبرات الكبيرة". سيذهب آخرون للقول بأن "شيكابالا لا يصلح للعب على المستوى الدولى"، وأن "المحمدي وزيدان والجباس خائنون، يخافون على أقدامهم بعد أن غرهم المال ونسوا الوطن الذي صنع نجوميتهم". في السما
نتائج أول خمس مباريات لبرادلي مع منتخب أمريكا فوز على الدنمارك 3-1 وعلى المكسيك 2-0 وعلى الإكوادور 3-1 وتعادل مع جواتيمالا 0-0 وفوز على الصين 4-1 سنجد تعامل نفس الأشخاص مع الحدث على النقيض تماما في حال كانت النتيجة فوز منتخب مصر بالمباراة بعد أداء مبهر، ستشاهد وتقرأ بعينك ما يشعرك بأن المحروسة حققت إنجازا تاريخيا رغم أن الأمر لا يتعدى مباراة ودية. أبرز تلك الأقاويل ستكون "منتخبنا يخطو أول خطوة نحو الصعود للمونديال بعدما أثبت للعالم أنه يستطيع منافسه الكبار، وأكد أن الفترة الماضية كانت مجرد كبوة يمر بها أي منتخب عملاق". كما سيصر آخر على أن "الكرة المصرية تطورت كثيرا وتستطيع مجاراة نظيرتها الأوروبية واللاتينية بل والتفوق عليهما، فنحن مظلومون بوجودنا في قارة إفريقيا، لأن إمكانياتنا أكبر من ذلك بكثير". فيما يؤكد بعضهم على أن "برادلي أضاف روح جديدة للمنتخب، وبدأت ثمار عمله في الظهور في الملعب، بعد أن نجح في تعليم الالتزام والجدية للاعب المصري". كل ذلك فضلا عن عقود احتراف بالجملة ستأتي للاعبينا على صفحات الجرائد وعبر شاشات التليفزيون (فقط)، وخلال ساعات ستجد "الأندية الأوروبية الكبيرة تطارد شيكابالا وفتحي ومتعب وفتح الله والشناوي". بينما يسرد مقدم البرامج الشهير قصته مع اللاعب الذي تألق خلال المباراة على النحو التالي "تعرف يا فتحي بيه، أنا قابلته من سبع سنين في الأسانسير كان لسه ناشئ (ورور)، وقولتله إنت هاتبقى نجم كبير، وقد كان". أزعم أن كل تلك ردود الأفعال المبالغ فيها ستوثر بالسلب على اللاعب الذي قدم مباراة جيدة، لأنه ببساطة تحول في يوم وليلة من لاعب مجتهد إلى النجم الكبير قاهر السليساو. كما أنها ستشكل ضغطا على برادلي، كون الجميع سيطالبه بالفوز في كل مباراة وكل بطولة. وليس من مصلحة أحد أن تزيد الضغوط على الرجل، فقد تحدثت في مقال سابق عن التحديات الكثيرة التي سيجدها المدرب الأمريكي في طريقه، وبكل تأكيد "الراجل مش ناقص". الوسطية هى الحل أود أن أظهر لكم أن الاعلام قادر على إحياء لاعب اندثرت موهبته وأنطفأ نجمه، كما أنه قادر على "النفخ" في لاعب يمتلك القليل من الموهبة ولا يملك مؤهلات النجم بكل الأحوال. ولكي أكون عادلا، فهذه المشكلة لا نعاني منها في الإعلام الرياضي المصري فقط، ولكن الجميع يلاحظها في وسائل الإعلام الأوروبية وخاصة الإنجليزية. وسائل الإعلام الإنجليزية "نفخت" في فتى وسيم يدعى "ديفيد بيكام" حتى أقنعت العالم كله بأنه نجم لا يشق له غبار، في حين أننا لو بحثنا في القدرات التي يمتلكها كلاعب كرة لن نجد سوى عرضياته المميزة وتسديداته المتقنة. أما هنا في مصر فكلنا يعلم أن وسائل الإعلام "نفخت" كثيرا في أشباه لاعبين وصنعت منهم (آلهة)، كما أنها ذبحت الكثير من الموهوبين و"جابتهم" الأرض. في النهاية.. لا أجد ما يمنعنا أن نراعي الوسطية في كل تعاملاتنا، وعلى رأي أخونا الفيلسوف الشعبي عمرو السعيد "الدنيا زي المرجيحة يوم تحت وفوق". وبالتأكيد أنا لا اتحدث عن مباراة البرازيل فقط، ولكني أود أن يكون ذلك هو السائد في تعاملنا مع الاحداث الرياضية كلها، خاصة أن هناك أحداثا أخرى أصبحت لها الأولوية عند المواطن.