لافتة ظهرت في لقاء الأهلي وإنبي الأخير في الجولة السادسة من الدوري الممتاز، من بين مئات اللافتات التي تعلقها الجماهير في مدرجات كرة القدم وتظهرها شاشات التليفزيون لخصت الحالة التي يمر بها المجتمع المصري بصفة عامة، مكتوب عليها "أعطني إعلاما بلا ضمير ..أعطيك شعبا بلا وعي". كاتب اللافتة الأخيرة وضع يده بالفعل على عضال الحالة المصرية التي مرضت بفعل ما يفعله الإعلام المصري في الفترة الأخيرة، إلا أن كاتب اللافتة كان يقصد الإعلام الرياضي، وهو محق بالفعل بعد أن أصبح الإعلام الرياضي يلعب دورا سلبيا بدرجة كبيرة بنفاقه للجماهير بحثا عن شهرة زائفة. فهل هناك فسادا أكثر مما فعله مخرج مباراة الأهلي وإنبي ، عندما ركز على لافتة مسيئة لرئيس اتحاد كرة القدم وخادشة للحياء وتصفه بما لا يليق أو أن يظهر في شاشات التليفزيون؟ حتى نكون منصفين فلا يجب أن نلوم مخرج اللقاء وحده، بل يلام قبله مقدمو البرامج الرياضية ومع مخرجيها ممن لعبوا دورا في زيادة انفلات الجماهير بالتركيز على لافتات المدرجات المسيئة. انفلات الجماهير وصل مداه، باللافتة التي كتبها أحد الحمقى وتخدش حياء مشاهدي التليفزيون، ويبدو إنه التطور الطبيعي للانفلات الذي دافع عنه البعض في أوقات سابقة، وبدلا من أن كانت الألفاظ الخادشة للحياء تنطلق من حناجر الجماهير، وكان التليفزيون يكتم صوته سابقا، أصبحت مكتوبة الآن وتنقلها شاشات التليفزيون المصري في مشهد لا يليق. حسنا فعل وزير الإعلام أسامة هيكل عندما اتخذ قرارا بإيقاف مخرج لقاء الأهلي وإنبي ، ولكن لا يجب أن يقتصر قرار وزير الإعلام على إيقاف مخرج اللقاء، ولكن عليه ان يمد يده في "عش الدبابير" المليء بمقدمي البرامج الرياضية الفاسدة والمفسدة التي نشرت الفساد والنفاق في الساحة الرياضية. وصل انفلات الجماهير مداه في لقاء الزمالك واتحاد الشرطة الأخير، حينما اقتحمت أعداد من الحمقى ملعب استاد القاهرة ، عقب إحراز الزمالك لهدف التقدم في الدقيقة السادسة، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف واللوائح، في واقعة مشينة تعبر عن مدى الاستهتار والاستهانة بكل شيء. أسباب عديدة لخسارة الزمالك الأولى في بطولة الدوري أمام الشرطة ولن تكون الأخيرة لأسباب ليس لها علاقة بالنواحي الفنية، بقدر ما لها علاقة بالنواحي الإدارية "ليس الأن وقت ذكرها نظرا لضيق المساحة وسنشرحها في وقت قريب" ، إلا أن جماهير الزمالك التي اقتحمت ملعب إستاد القاهرة تظل أحد الأسباب الرئيسية وراء تلك الخسارة، بعدما أخرجت اللاعبين عن تركيزهم بتصرفهم الأحمق. في الوقت الذي يسعى الجميع فيه إلى السيطرة على انفلات الجماهير وشماريخهم، والقرارات العنيفة التي تتخذها لجنة المسابقات، تظهر برامج رياضية تدافع عن "الشماريخ" ومشعليها ، ويقولون إن "شمروخ " واحد ليس مشكلة ، وعلى لجنة المسابقات أن تهدأ من قراراتها ومنع الجماهير من حضور المباريات ، فهذا فساد. الإعلام الذي يختال بنفسه ويتعامل على إنه يدير الكرة المصرية من الاستديوهات .. فاسد، والإعلام الذي ينافق الجماهير على جثة المهنية والقيم من أجل شعبية زائفة وشهرة مرضية .. فاسد، والإعلام الذي يسب منتقديه ويغتالهم معنويا .. فاسد. الإعلام الذي ينافق مسؤولي الأندية من رجل الأعمال ويدافع عنهم وعن مصالحهم .. فاسد ، الإعلام الذي يركز على الإثارة .. فاسد ، الإعلام الجاهل .. فاسد ، الإعلام الذي يدار من المدرجات .. فاسد. فساد الإعلام الرياضي لا يخفي على أحد ، وأول هؤلاء هو زير الإعلام الذي يجب ان يتصدى لتلك الحالة الفاسدة التي سيطرت على الشارع المصري ، فهل من المعقول أو المقبول أو المنطقي أن يظل تحليل مباراة كرة القدم في الاستديوهات التحليلية أكثر من ثلاث ساعات ، رغم أن المباراة لا تزيد مدتها عن ساعة ونصف؟ هل مباريات الدوري المصري أهم وأكثر متعة من مباريات دوري أبطال أوربا ، حتى يظل تحليل المباراة فيها أكثر من ضعف مدة المباراة نفسها ؟ والغريب أن المدة الأكبر من " الرغي " ليس له علاقة بفنيات كرة القدم ، ولكن له علاقة بالنفاق أو إثارة المشاكل. كلام أخير: أحسب أن احدى رباعيات صلاح جاهين تصلح وصفا رمزيا للحالة المختالين بقوتهم أو سلطتهم في مصر، والتي قال فيها: " يا طير عالي في السما .. ظز فيك، ما تفتكرش ربنا مصطفيك .. برضك بتاكل دوود، وللطين تعود، تمص فيه يا حلو ويمص فيك".