لوحة فنية رائعة رسمت وجوه بعض المحتجزين من جماهير الأهلي بعد اشتباكات بين الشرطة وجماهير (تالته شمال)، وكتب فوقها عبارة "الحرية للثورة". عفوا لم أخطأ في المقدمة، أعرف جيدا أن العبارة كانت "الحرية للأولتراس" ولكنه من وجهة نظري اختلاف في الألفاظ رغم توحد الفكرة. منذ أربعة سنوات خرجت إلى النور فكرة الأولتراس في مصر، ولم يتمكن أحدا من المتابعين أو الإعلاميين أو المثقفين تحليل الظاهرة أو تفسيرها حتى بعدما اندلعت ثورة "شباب" يناير. ولم يكلف أحدا خاطره في أن يبحث لماذا تجذب هذه المجموعات الشباب رغم حملات الهجوم الضارية التي تمارس ضدها، ولماذا يصمد أفرادها رغم الصعوبات والملاحقات التي تواجههم؟. فالشباب – خاصة في مصر - يلجأ للانتماء إلى تلك المجموعات لأنها تعبر عن تطلعاته في إخراج ما بداخله من طاقة وحماس لخدمة "كيان" ينتمي إليه. يلجأ إليها لأنه تربى في أجواء من الكبت وعدم وضوح الهوية وعدم الانتماء إلى كيان يفخر بالعمل من أجله في ظل نظام قامع وأحزاب كارتونية لا تحقق أهداف الشباب أو تطلعاتهم. لن أكرر أو أؤكد على دور هؤلاء الشباب في الثورة المصرية بعدما ذكرتها جميع وسائل الإعلام الأجنبية قبل المصرية، ولكنني أبحث عن فهم الفكرة لعلنا نصل إلى حل مشاكلنا. فالفكرة ليست هي مجموعة من الشباب – من مختلف الطوائف والمستويات والطبقات الاجتماعية – يجتمعون في مدرج ملعب كرة قدم لتشجيع 11 لاعبا يركضون حول الكرة. الفكرة أو العقلية - كما يطلق عليها شباب الأولتراس - ليست مجرد معاداة الشرطة أو سباب المنافس أو تجنب الإعلام، ولكنها فكرة الحرية والتعاون والعدالة الاجتماعية.
الفكرة ليست مجرد معاداة الشرطة أو سباب المنافس أو تجنب الإعلام، ولكنها فكرة الحرية والتعاون والعدالة الاجتماعية. فمجتمع الأولتراس قائم على الحرية في التعبير وبأعلى صوت، وعلى العدالة في حصول الجميع على نفس الحقوق (ابن الوزير يعامل في المدرج كابن الغفير)، وعلى التعاون بين الجميع من أجل الكيان، وهي نفس أهداف الثورة. سيتسائل البعض إذن فلماذا يظهرون إلينا بصورة صناع الشغب و الفوضى طالما أنهم بهذه المبادئ السامية والنبيلة؟. والإجابة البسيطة هي أنهم صورة مصغرة من المجتمع المصري الذي يرتكب كافة الحماقات طالما لم يحصل على التوعية الكاملة والتثقيف والتعليم بالإضافة إلى قانون يعاقب دون تجاوز وشرطة تحرس دون بطش. والدليل أنهم قادرون على تنظيم أنفسهم وصنع اللوحات الفنية والصورة المبهرة في المدرجات رغم قلة إمكاناتهم بسبب إحساسهم فقط بقيمة العمل الذي يقدمونه. فماذا لو تم تعليمهم وتثقيفهم لخدمة البلاد؟ وماذا لو استبدلنا لهم "الكيان" بالوطن؟ وماذا لو منحناهم حريتهم "المسؤولة" مع قيام كل مسؤول بدوره دون تقصير أو تجاوز؟. وللأسف مازال البعض يهاجم الأولتراس والشباب ويصفهم بالهمجية وعدم الانضباط دون أن يفكر لماذا أصبحوا هكذا؟ والأدهى أن من يفعل ذلك هم المسؤولين عن قيادة الدولة أو بعض عديمي الإدراك. فالمشكلة أن الجيل "الحاكم" لم يفهم بعد أن جيلنا لم يعد يقبل الوصاية على أفكاره خاصة بعدما قدم التضحيات والشهداء، ولم يفهم بعد أن ما يجمعنا ليس حزبا أو جماعة أو حركة أو أولتراس. ما يجمعنا هو فكرة، والأفكار لا تموت، فهي تظل كثمرة في أرض خصبة إذا مات صاحبها من أجلها، ومع كل موسم مطر تنتقل من الحقول للعقول، وتعود إليها الحياة من جديد.