وقف الجميع سعداء وهم يشاهدون كرنفال الاحتفال بفرح القمة، ولكن يبدو أن زينة الحفل جذبت الانتباه أكثر من اللازم وأعمت الكثيرين عن الليلة لنفسها. أثارت "دخلة" جماهير الأهلي في مباراة القمة الرأي العام المصري بعدما تضمنت عبارات جارحة في حق الزمالك انقسم عليها المتابعون ما بين مؤيد ومعارض حتى تحول الأمر إلى فرح شعبي. فجماهير الأهلي قارنت بين تاريخ الناديين عن طريق رسم علم مصر الأحمر القديم وتحته شعارات النادي بنفس الألوان، ورسم علم إنجلترا الأبيض والأحمر وتحته شعار الزمالك صاحب نفس الألوان "مقلوب" لربط من أين استمد كل ناد ألوانه من طبيعة مؤسسيه. ولكن الخطأ كان بوضع سلة قمامة بجوار شعار الزمالك كتب بجوارها إلى "مزبلة التاريخ" وهو الأمر غير المقبول. لا شك في أن الدخلة شهدت تجاوزات غير المعتادة في ملاعبنا، ولكن ما حدث بعد المباراة هو ما يعد أخطر من مجرد رسمة أو عبارة مسيئة في مدرج كرة قدم. فبيانات واعتراضات مجلس إدارة الزمالك قد تبدو منطقية للدفاع عن اسم النادي الذي ينتمون إليه، ولكن الغضب الزائد والتهديد برفع دعاوي قضائية وشكوى للفيفا أمر مبالغ فيه لأنه لن يؤدي إلى شئ. فمدرجات كرة القدم على مدار تاريخها داخل مصر وخارجها تشهد تجاوزات بعبارات أو صور أو هتافات مسيئة ضد الفرق المنافسة، بالطبع هذا سلوك مرفوض ولكنه واقع يجب ألا نتجاهله. فواقعة دخلة الأهلي كانت جارحة وتستحق العقاب، ولكنها لم تحتوي على أي إساءة دينية أو عنصرية، ولا تستحق المبالغة وجر الأمر إلى اتهامات بالعنصرية واضطهاد الأقلية وقضايا أكبر بكثير من كرة القدم.
نعترف جميعا أن الدخلة شهدت بعض التجاوزات غير المعتادة في ملاعبنا، ولكن ما حدث بعد المباراة هو ما يعد أخطر من مجرد رسمة أو عبارة مسيئة في مدرج كرة قدم. فخروج كل من له في الكرة أو لا للتحدث عن صدق "الدخلة" أو زيفها وشحن الجماهير بتاريخ مغلوط حسب الأهواء في كل جانب هو ما قد يؤدي حقا لكارثة وليس اللوحة نفسها. فجماهير الفريقين باتت تتصارع على توجيه الاتهامات لبعضها البعض وسط ادعاءات بالعمالة والصهيونية والماسونية بفضل افتاءات الموتورين من الجانبين. وهو ما فتح قضية أخرى يجب مناقشتها، وهي توثيق تاريخ الأندية المصرية بعدما وضح أن العديد من الجماهير لا يعرف أصل ناديه أو سبب وتاريخ تأسيسه أو أسماء رؤساءه. فالنادي الأهلي خيرا فعل عند احتفاله بالمئوية عام 2007 بتوثيق تاريخه وجمع الوثائق الرسمية وسجلها في الشهر العقاري لتبقى شاهدة على تاريخه بمستندات رسمية تحميل توقيع أصحابها. ولكن العديد من الأندية لم تفعل ذلك، وعلى رأسها الزمالك الذي لا يعلم حتى الآن تاريخ إنشاءه سوى أنه عام 1911 ولكن في أي يوم أو شهر وأين وكيف لا يعلم أحد؟ وهو ما يفتح الباب أمام القيل والقال، بل و"الفتي" و تشويه التاريخ كل حين وآخر خاصة أنه لا توجد وثائق مسجلة لرصد تاريخ النادي. ملحوظة أخيرة: جماهير الإسماعيلي رسمت أبو تريكة في صورة كلب، وجماهير الزمالك عايرت الإسماعيلي بالنكسة، وجماهير الأهلي تجاوزت في حق الزمالك، ولكنها ظلت مداعبات مدرجات لأننا في النهاية نتحدث عن كرة قدم.