مدريد - خالد يوسف : ربما كان رد فعل المشاهد الاسبانى خيسوس رودريجز ، 23 عاماً ، معبراً للغاية عما جرى ليلة الأربعاء بملعب سانتياجو بيرنابيو بين المنتخبين الاسبانى وضيفه الانجليزى ، فقد كان يضع يده على قلبه مع كل لمسة للمدافع الانجليزى الأسمر آشلى كول أو زميله البديل شون رايت فيليبس. فمع كل صيحة من صيحات القرود التى يطلقها قطاع من جمهور اللقاء تجاههما تشعر بأن الاوكسجين فى "معبد البيرنابيو" يتم سحبه تدريجيا ، فى ليلة سيتذكرها الجمهور الاوروبى كثيراً خلال الفترة المقبلة ، بدأت كاحتفالية كروية خالصة ، وانتهت بجدل أحاط بكل من يعتريهم القلق على مستقبل الكرة الاوروبية ، وهى الأبواب التى فتحت من قبل فى اليونان وهولندا وفرنسا دون أن تغلق. لم تكن صيحات القرود التى شغلت الجميع لثلاثة أيام متتالية تجاه اللاعبين من أصحاب البشرة السوداء من المنتخب الانجليزى منتظرة بأى حال من الأحوال ، حيث أثارت مجموعة من أهم واعنف المناقشات بخصوص واقع الكرة الاوروبية الحالى ، خاصة أن الملاعب الاسبانية لم تكن ضمن "حزام عنصرية" الملاعب الاوروبية فى يوم من الأيام ، إلا أن "الشرارة" انطلقت يوم الثلاثاء مع مباراة الفريقين الانجليزى والاسبانى تحت 21 عاماً ، ومن بعدها كان "الحريق" فى مباراة البرينابيو يوم الأربعاء ، والذى اجبر أدارة تحرير صحيفة ماركا على طرح سؤال فى صدر موضوعاتها الرئيسية يقول : "هل نحن عنصريون"؟! ربما يكون قراء صحيفة "إلموندو" على حق عندما اعتبر 62 % منهم أن الانجليز بالغوا فى إثارة الأزمة ، وذلك ضمن استفتاء اجراه الموقع الرسمى للجريدة ذات الطابع المحافظ ، والذي شارك فيه نحو 12 الف زائر ، إلا أنه لا يمكن إنكار أن تلك الصيحات أدخلت الحزن والارتباك فى قلوب الوسط الكروى الاسبانى ، خاصة انها جاءت داخل جدران قلعة البيرنابيو ، فى مباراة ذات طابع تليفزيونى دعائى ، وفى اليوم الأول لحملة الترويج التى تقوم بها مدريد لإستضافة اوليمبياد 2012 ، والأهم أنها أفسدت على محبى "الأحمر" الاستمتاع بعرض كلاسيكى قدمه المنتخب الوطنى الإسباني ، والذى اعتبره الكثيرون أنه الأفضل خلال العامين الماضيين.
كول لم يكن يتوقع لاعب نيوكاسل جيرمين جانيس عضو منتخب انجلترا تحت 21 عاماً أن يكون اسمه فى صدر صفحات الصحف البريطانية عندما كان أول من أشار إلى أن الهتافات التى أطلقتها الجماهير خلال مباراة يوم الثلاثاء فى الاكالا بين منتخبى تحت 21 هى الأسوأ على الإطلاق ، وهو الأمر الذى نفاه العديد من المسئولين الإسبان ، إلا أن الليلة التالية بانتظام إيقاع صيحاتها وتناغمها فى بعض الأحيان اعطت تحذيراَ شديد اللهجة بأن الأمر أكبر من مجرد "قلة منحرفة" أو "فئة ضالة". فى المقابل كان الدرس الأهم الذى أدركه الوسط الكروى الاسبانى أن رد الفعل "الهادئ" جانب إدارة اللعبة والصحافة الرياضية منذ "أزمة اراجونيس – هنرى" الشهر الماضى كان بمثابة عود ثقاب إضافى أثار ازمة مضاعفة فى مواجهة صحافة بريطانية غاضبة ألقت باللوم على إدارة المنتخب الانجليزى لعدم اتخاذهما قراراً بالانسحاب من اللقاء ، وهى الحملة التى قادتها صحيفة ذات طابع يسارى مثل الجارديان ، مما اجبر صحيفة مثل ماركا على القول إن الجمهور الإسبانى بدا عنصرياً بالفعل لأن الأمر لم يثر حفيظته ، أو باختصار لأن "السكوت والصمت" كان يخيم على جميع المهتمين بأمر الكرة الاسبانية ، وفى مقدمتهم الاتحاد الوطنى الذى نال النصيب الأكبر من انتقادات الصحافة المحلية ، ومنها صحيفة "الباييس" ذات التوجه اليسارى ، والتى اعتبرت أن سكوت الاتحاد على تعليقات اراجونيس أثار حفيظة البريطانيين منذ البداية ، حيث اعتبرت الصحيفة أن تعليقات اراجونيس التى تفتقر إلى اللباقة الاجتماعية كان من الممكن توضيحها او استنكارها بشكل رسمى من الاتحاد ، إلا أن هذا لم يحدث. قد يكون اتهام جمهور الكرة الاسبانية بالعنصرية خارج السياق مطلقاً ، فالأمر سيبدو مثل شخص يكره الورود بينما هو يعيش فى حديقة عامة ، فالأجانب جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسبان بشكل عام ، والملاعب تعج بهم كل أسبوع من أسابيع الليجا ، أو كما قال البرتو رويث جاياردون عمدة مدريد "كيف يمكن أن يحدث هذا فى مدينة مثل مدريد يسكنها مواطنون من 180 دولة"؟! فنغمات صيحات البيرنابيو كانت نشازاً على جمهور الكرة هناك ، وأغلبية لاعبى الدورى الأسبانى من الأجانب فى مقدمتهم الكاميرونى صمويل ايتو مهاجم برشلونة والانجليزى ديفيد بيكام نجم الريال الذى أكد أنه لم يسبق له رؤية شئ مثل هذا منذ قدومه إلى اسبانيا قبل عام ونصف العام ، أو على أسوأ تقدير كما أكد المالى مومو سيسوكو نجم فالنسيا أن الأمر لا يتعدى التعصب الكروى ، ولا يشمل جمهور الكرة فى البلاد. لقد كا