يتهمنا الإخوان بأننا متربصون بالرئيس مرسى، فنحن لم نترك له فرصة حقيقية لكى يؤدى كرئيس، وبعدها نحكم عليه. ما دليلهم على ذلك؟ أهم حجة هى أننا بدأنا معارضة الرئيس منذ اليوم الأول لولايته دون إعطائه الوقت الكافى، لكن هذه حجة واهية، لأنه يجوز معارضة أى رئيس جديد منذ يومه الأول، اعتماداً على البرنامج الذى أتى به إلى الحكم، فما بالك إذا كان الرئيس المنتخب ليس له ثمة برنامج يستحق فعلاً وصف برنامج. كاتب هذه السطور قرأ البرنامج الانتخابى للمرشح مرسى، كما قرأ برامج حزب الحرية والعدالة، ولم يصل إلى أى نتيجة فيما يخص مضمون مشروع النهضة، وهو الأمر الذى أوصل جماعة الإخوان وحزبها إلى التنصل من مأزق غياب مشروع حقيقى للنهضة، بإعلانهم أن ذلك المشروع يصوغه الشعب نفسه وليس الحزب الحاكم أو رئيس الجمهورية!! وهذه بالطبع «تخريجة» شديدة التدليس لا بد أن يدان عليها الرئيس وحزبه، لأن إحدى وظائف الدولة الأساسية فى العصر الحديث -خاصة فى المجتمعات المتأخرة اقتصادياً- هو أن تسبق المجتمع بأكثر من خطوة، لكى تكون قاطرة التنمية الاقتصادية التى تجر وراءها مجتمعها الذى يعانى من الركود والتخلف الاقتصادى، أما أن ننتظر الدولة لكى يسبقها المجتمع ويجرها وراءه، فهذا ما لم نسمع به أبداً فى علم التنمية الاقتصادية. هل نحن متعجلون فى إصدار الأحكام على الرئيس؟ من أهم معايير تقييم الرؤساء فى البلاد الديمقراطية، خاصة إذا أتى الرئيس من جماعة دينية من المفترض أن تعطى دوراً عظيماً للقيم الأخلاقية التى تغرسها فى ضمير كوادرها السياسية، هو أن يكون صادقاً أميناً. أوَ لم يكن الصدق والأمانة أهم خصال النبى الكريم فى ممارسته لصنعة التجارة؟ الحقيقة ومن قبل أن تطأ قدم الرئيس مرسى القصر الجمهورى، وهو متهم بالكذب الفاضح، فعندما تحتوى السيرة الذاتية للمرشح مرسى والمنشورة بموقعه الرسمى على الإنترنت، على الادعاء أنه عمل بوكالة «ناسا» الأمريكية، فى محاولة لتضخيم قيمته العلمية، وعندما يتبين أن المرشح لم يعمل قط ب«ناسا».. هل نكون قد تعجلنا حين اتهمناه بالكذب؟ وحين يرسل الرئيس مرسى خطاباً إلى الرئيس الإسرائيلى بيريز يشكره فيه على خطاب سبق لبيريز أن أرسله إليه مهنئاً له سلامة الوصول إلى القصر الجمهورى، وحين دأب مرسى على إنكار إرسال هذا الخطاب، حتى نشرت الصحف الإسرائيلية نص الرسالة، فاضطرت السفارة المصرية بتل أبيب إلى أن تقول إنه مجرد خطاب بروتوكولى، هل نكون قد ظلمنا الرئيس مرسى حين اتهمناه بعدم الصدق؟ وحين يعين الرئيس مرسى عشرات تحت بند مستشارين، وحين يتبين المرة تلو الأخرى أن هؤلاء لم يكن لهم أى دور فى صياغة قرارات الرئيس، بل إن رئيس الجمهورية لم يكلف نفسه حتى أن يبلغهم بقراراته الجديدة، حتى يرفع عنهم حرج معرفة قرارات الرئيس من خلال الإعلام، فإننا هنا إزاء حالة من الكذب الفاضح الذى لا يقبله على نفسه وعلى كرامته إلا شخصيات تسعى للظهور بأى ثمن، فى مقابل أن يستغلهم الرئيس فى إعطاء الانطباع أنه يستمع ويتحاور مع خبراء من كافة التيارات، حتى من تلك المناوئة له. أظن أن أداء مرسى كمرشح رئاسى وأداءه فى الرئاسة لمدة 5 أشهر لهوَ كافٍ للحكم عليه بأنه لا يستحق أن يكون رئيس مصر بعد ثورتها المجيدة. من يُرد الانتظار أكثر فلينتظر، أما عن نفسى فقد حزمت أمرى ووصلت إلى نتيجة مفادها أن المسألة تقتضى طرح سؤال جدى على شعبنا: هل محاسبة رئيس الجمهورية تتطلب فقط أن يقع فى الخيانة العظمى من قبيل ضبطه متلبساً بتلقى أموال من دولة معادية، أم أن هناك خطايا أو جرائم أخرى مثل الكذب والتدليس تستحق المحاسبة والمحاكمة، لأن أضرارها لا تقل كثيراً عن الخيانة العظمى؟ أوَ ليس من الضرورى تضمين هذه الخطايا فى الدستور الجديد؟