الأيام الأخيرة من عام 2006 .. العشرات من عمال شركة المحلة للغزل والنسيج ينظمون إضرابًا داخل المصنع بعد تجاهل مطالبهم في مزيد من الجنيهات، لتجد "وداد" نفسها وسط هذا العدد القليل من الرجال "أول مرة في حياتى أشارك في مظاهرة"، وتملك الحماس منها وصرخت بأعلى صوتها في وجه الرجال الذين يتابعون الموقف من شرفات المصنع، لتلهم هذه الهتافات الرجال قبل النساء "نجح الإضراب، وأخدنا 89 جنيها أرباحًا سنوية و21 يوم منحة". فى عاصمة صناعة الغزل والنسيج في مصر، وعلى بعد 110 كيلو مترًا من القاهرة اعتادت "وداد الدمرداش" أن تذهب إلى عملها كل صباح كعاملة إنتاج بشركة المحلة للغزل والنسيج. لم يكن هناك ما يميزها عن آلاف العمال والعاملات "أنا كنت عاملة زي أي عاملة، ومرتبي كان 200 جنيه بعد 24 سنة شغل في المصنع". وتحولت وداد من عاملة إلى"قائدة عمالية" بعد نجاح إضراب 2006، لكن زوجها كان يعارض مشاركتها في الإضرابات والمظاهرات "كان رافض بسبب تواجدي وسط الرجال، ودعمني لما وجد إني برجع حق الغلابة وبدافع عن حقهم في الحياة". "وداد" تتذكر إضراب 6 أبريل 2008 الذى كان بمثابة "بروفة" مصغرة لثورة يناير"كانت مطالبنا:"الحد الأدنى للأجور، وربط الأجور بالأسعار، الإضراب نجح فى المحلة ودفع ثمنه شباب المحلة، عربيات الأمن المركزى لم ترهبنا وانضملنا عامة الناس"، وبدأ الأمن المركزي في تفريق الناس، لتبدأ الهتافات في وجه قوات الشرطة "غلوا السكر غلوا الزيت خلونا بيعنا عفش البيت .. ياجمال قول لأبوك المحلة بيكرهوك". بعد هذه الهتافات التي طالت رأس الدولة بدأ إطلاق النار والقنابل المسيلة للدموع وانطلقت السيارات المصفحة لمطاردة الأهالي في الشوارع "أصبحت المحلة ثكنة عسكرية، ومات 4 أشخاص وهما في بلكونة بيتهم"، ليخرج أهالي المحلة غضبهم في تمزيق صورة "مبارك" والوقوف عليها بالأقدام. "كان عددنا صغير، لكن صوتنا كان بيهز الدنيا، وقدرنا نوقف عملية البيع والخصخصة".. تحكى "وداد" عن الوقفة الاحتجاجية التي شاركت فيها في أكتوبر 2010 داخل المصنع اعتراضًا على سياسة الإدراة ورغبتها في الخصخصة "غيروا المكن الألماني وباعوه خردة، و144 مليون جنيه خسائر للشركة"، يومها هتفوا لمدة ساعة ونصف في ميدان طلعب حرب بداخل الشركة "طلعت حرب عملها، وقال شركة مصر للعمال، دقي ياساعة الشركة ياحرة على أيامنا السودة المرة، عايزين إدارة حرة العيشة بقت مرة". لم تمر ساعات حتى أصدرت الإدراة قرارًا بنقل وداد من داخل أسوار الشركة إلى دار الحضانة خارج أسوار الشركة، لتكون على قوة عاملات النظافة بعدما كانت عاملة إنتاج ملابس لما يقرب من 26 عامًا "لما اعترضت قالوا: هتبقي أمينة مكتبة"، واستسلمت وداد للأمر الواقع، لكنها ظلت تتابع مستجدات المصنع "كانت تصلني المخالفات التي تحدث داخل المصنع". ذات يوم فكرت وداد أن تسافر للقاهرة بصحبة مجموعة من السيدات والرجال، محملين بالعشرات من مخالفات الإدارة في طريقهم لقصر العروبة لمقابلة الرئيس السابق قبل يومين من اندلاع شرارة ثورة 25 يناير أملاً في عودتهم للعمل"قالوا الريس في العباسية بيخطب في عيد الشرطة"، حينها أخرجت "وداد" علم مصر الذي وضعته في شنطتها "قلتلهم مش همشي غير بقرار"، وطلبوا منهم الرحيل على وعد بحل المشكلة خلال يوم أو يومين. ثورة يناير وتنحي مبارك في 11 فبراير 2011 عجل بحل مشكلة وداد وعادت للمصنع "أصدر الحاكم العسكري قرارًا بزيادة الحوافز، وعودة المفصولين عن العمل"، لكنها مازالت تعاني من بعض المشكلات "الراجل بيترقى على حساب الست، وأجره طبعًا بيعلى مع الترقية". "وداد الدمرداش" التي تمشي في منتصف الأربعينيات عمرًا، وتعيش لأسرة تكونت من 4 أولاد، كانت حاضرة في اختيارات مجلة "نيوزويك" الأمريكية ضمن قائمة أشجع 150 امرأة حول العالم، وبررت المجلة اختيارها ل"دورها في إضراب المحلة 2006، وبعدها بعامين اندلعت أحداث المحلة التي ألهمت العمال المصريين بأكملهم، وكان تمهيدا للثورة فى يناير".