نعوش الشهداء المحمولة على الأعناق، هذا المشهد الذى اعتدناه فى غزة والمدن الفلسطينية أصبح مشهداً مصرياً فى عهد أول رئيس منتخب، هذا جديد على الحياة فى مصر، كان الشهداء زمن الاحتلال الإنجليزى يُحصون على أصابع اليد الواحدة، أشهرهم عبدالحكم الجراحى، وعندما سقط شهدى عطية الشافعى شهيداً نتيجة عمليات التعذيب واسعة النطاق فى المعتقلات، وعلم جمال عبدالناصر أثناء وجوده فى يوغسلافيا أصدر أوامره بإيقاف التعذيب فوراً والتحقيق، عمليات الاغتيال التى تقوم بها الدولة نادرة فى التاريخ المصرى الحديث، لكن رائحة الدم تفوح بقوة مع تمكن جماعة الإخوان من الحكم. ليس صدفة أن النائب العام، شهيد العدالة والقضاء، يقف مخاطباً زملاءه منبهاً إلى أن احتمال قتله وارد، ولو جرى ذلك فإنه يطلب قراءة الفاتحة، ورد احتمال القتل على أيدى الجماعة علناً عدة مرات من معارضين سياسيين، خاصة بعد الاعتداء المروع على النائبين السابقين أبوالعز الحريرى وحمدى الفخرانى، إن الطريقة التى قُتل بها الصبى الصغير إسلام تدعو إلى الشك، فلم يحدث أن متظاهرين عاديين فى مصر أقدموا على قتل خصم، خاصة إذا كان طفلاً، بل إن عمليات القتل الغامضة التى جرت فى ميدان التحرير خلال أيام انتفاضة الشعب المصرى لم تستفز المتظاهرين للرد بعمليات مشابهة، القتل فعل غريب على المصريين، لكنه ليس غريباً على الجماعة، خلال الأسبوع المنصرم نُشرت أخبار عن عمليات تصفية تنتظر سياسيين وإعلاميين ومعارضين من طوائف شتى للإخوان، إن قتل الشاب الشهيد «جيكا» عمل احترافى على مستوى عالٍ من الحرفية، إذ ركز القاتل المحترف رصاصات القنص على جذع المخ والعمود الفقرى. فى الأسبوع الماضى زار أحمد حرارة نيويورك وقام عدد من المصريين، خاصة الأطباء، بإجراء اتصالات واسعة لعرض حالته على أكبر المتخصصين فى العيون، وجاء رد الأطباء الأمريكيين أنه من المستحيل إجراء أى عملية، لقد كان التسديد دقيقاً لدرجة أنه تم اقتلاع العينين تماماً. إن سقوط شهداء مصريين فى المظاهرات بأيدى أفراد مدربين من الجماعة أو من أغراب جاءوا من غزة أو غيرها يندرج تحت إرهاب الدولة الذى يفجر ينابيع الدم فى الوادى الذى عاش أهله يكرهون رائحة الدم ولكنه ينزف منهم وحولهم وتحوم ظلاله فوق مصر التى عاشت مسالمة فيما بينها، وها هى المعادلة تختل بعنف طارئ غريب! الأخطر ذلك الانقسام الذى يتعمق يوماً بعد يوم، هذا الأسبوع سقط شهيدان من المصريين؛ جيكا وإسلام، نفاجأ بخبر يقول إن حرم الدكتور مرسى قامت بزيارة قدمت خلالها واجب العزاء لأسرة إسلام، ولم تقم بنفس الواجب بالنسبة للشهيد «جيكا»، كنت أتمنى ذلك باعتبار أن الرئيس، من الناحية النظرية، رئيس لكل المصريين، لكن زيارة حرمه لشهيد واحد فقط تعنى انحيازاً من أسرة الرئيس وهذا يعمق الانقسام. أما زيارة المرشد العام للإخوان فتصب فى نفس الاتجاه، يمكن القول إن المرشد يقوم بواجب العزاء لأسرة ينتمى أحد أفرادها إلى الجماعة. لكن عزاء بهذا المستوى لطرف واحد فقط يصب فى تعميق الانقسام والتحيز وتكريس وضع الجماعة فى مواجهة غالبية الشعب، مشاهد كلها غريبة على المصريين ومصر، تدفع الوطن إلى دائرة الخطر الحقيقى.