تتهافت أرواحهم شوقاً خلال رحلتهم من جميع المحافظات وبعض الدول العربية إلى ضريح السيد البدوى فى طنطا احتفالاً بذكرى مولده اليوم.. مشاهد نقية تمتزج فيها العمائم الخضراء مع هتافات «المدد».. سنوات طويلة ارتبط خلالها ملايين المريدين بهذا الحدث الذى يعتبرونه جللاً.. تنتشر الخيام فى ساحات مدينة طنطا بجوار المسجد الذى يحوى الضريح، يتمايلون بأجسادهم أمام منشدهم مرددين ابتهالات الصوفية وقصائد المديح، ولم تغب النساء عن المشهد حيث يتم الاستعانة بهن لتجهيز الطعام والموائد لإطعام الزوار والمريدين. احتفالات كرنفالية تتنوع ما بين الأناشيد الصوفية وحلقات الذكر، فضلاً عن العروض الترفيهية التى تقام فى خيام كبيرة مخصصة للعروض الفنية تحوى مسرحاً شعبياً على مساحة لا تزيد على 45 متراً مربعاً، لتقديم عروض السحر والتنويم المغناطيسى وفنون التحطيب والمصارعة، إلى جانب مشاركة وزارة الشباب والرياضة بمجموعات شبابية من فرق الكشافة لمساعدة المرضى وكبار السن وتنظيم دروس لمحو أمية كبار وصغار السن من الزوار، وعرض لوحات فنية مصرية من خلال معارض تم إقامتها داخل إحدى الخيام. لم تغفل الدولة هذا الحدث الذى تعرض لمحاولة تخريبية فى العام الماضى إثر انفجار عبوتين ناسفتين أسفرتا عن إصابة 11 من الزوار، انتشرت القوات الأمنية فى الساحات الممتدة حول المسجد والضريح، بعد تركيب شبكة من كاميرات المراقبة فى معظم الأماكن، فضلاً عن إقامة مرتكزات أمنية على مداخل ومخارج الساحات. 3 ملايين زائر يتوافدون من مصر والدول العربية إلى طنطا يحتفل بمولد العارف بالله السيد البدوى كل عام ما يقارب 3 ملايين زائر ومريد سنوياً من مختلف محافظات مصر والدول العربية، وذلك فى منطقتَى المسجد والسارى بسيجر. وبمجرد أن تطأ قدماك ساحته تخطف أنظارك الأضواء والزينة التى تعلو مآذن المسجد وواجهات المحال المجاورة له التى بدت فى أبهى مظاهر الحسن بعد تجميلها ابتهاجاً بذكرى ميلاد السيد البدوى الذى يعود بنسبه إلى الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهما. فى سابقة تُعد الأولى من نوعها، على مدار احتفالات المولد السابقة، ألزم المسئولون بالمحافظة ومديرية الأمن أصحاب المحال التجارية الموجودة بساحة المسجد وكذلك المحلات الموجودة فى شارع الترعة بطول 3 كيلومترات حتى ساحة الصارى، المنطقة الثانية للاحتفال، بتركيب كاميرات مراقبة أعلى واجهات المحال، إلى جانب استخدام البوابات الإلكترونية فى مداخل ومخارج المولد لتفتيش المترددين عليه، تحسباً لأعمال الشغب أو محاولة تنفيذ أعمال إرهابية عملية إرهابية مثل حادث انفجار قنبلتين بدائيتى الصنع ما أسفر عن إصابة 11 زائراً العام الماضى. على بُعد خطوات من المسجد، استعدادات ضخمة من قبَل الجهات التنفيذية بالمحافظة أقامتها المديريات المختلفة، منها مديرية الأمن والصحة والثقافة والتربية والتعليم ومديرية التموين والكهرباء وغيرها، بالإضافة لخيام الطرق الصوفية المشاركة فى الاحتفال، يتصارع الصوفيون على حشد أكبر عدد ممكن من المريدين للاحتفال معهم بالمولد من خلال لافتات معلقة على الخيام ترحب بالسادة الضيوف والزائرين. شافعى على، صاحب مقهى فى العقد السابع من عمره، أكد أن الرئيس الراحل أنور السادات أثناء توليه الحكم، زار مسجد السيد البدوى أكثر من مرة، وأدى صلاة الفجر قبل ساعات من اندلاع حرب أكتوبر، والتقى الشيخ أحمد حجاب، إمام سابق لمسجد السيد البدوى، وحينها بشّره بالنصر، عندما قال له إن ما تفعله سينصرك الله تعالى فيه، كما جاء أيضاً يوم 9 أكتوبر من نفس العام، والحرب دائرة مع إسرائيل، لأداء صلاة الجنازة على شقيقه «عاطف»، الذى استشهد فى الحرب، وعقب انتهاء صلاة الجنازة نُقل الجثمان إلى محافظة المنوفية ودُفن بمقابر العائلة. صاحب مقهى: «السادات» صلى الفجر فى «السيد البدوى» يوم 5 أكتوبر.. والإمام بشّره بالنصر.. وأحد أتباع «السعدية»: غالبية المريدين من كبار السن والشيوخ جمل وكلمات غير مفهومة يرددها أصحاب العمائم الخضراء، يتمايلون بأجسامهم، يؤمهم «منشد» داخل خيام محيطة بسور المسجد، وفى الساحة المطلة على الباب الرئيسى للمسجد مباشرة، عشرات المريدين يفترشون الأرض مرددين «مدد يا بدوى»، وعلى بعد نحو 10 أمتار تجد الضريح ممتلئاً بعشرات المريدين والمحبين للسيد البدوى يقبّلون ضريحه رافعين أيديهم للسماء، وعيونهم باكية. أشار محمد محفوظ، من أبناء محافظة أسوان، إلى أنه يشارك فى الاحتفالات كل عام ولا يأبه للحوادث الإرهابية أو غيرها، وتابع ل«الوطن»: «العمل الإرهابى فى العام الماضى لم يمنعنى من المشاركة فى الاحتفال بمولد السيد البدوى هذا العام، فالبدوى نادانى وأنا لبّيت»، لافتاً إلى أنه كان من بين مصابى العمل الإرهابى فى العام الماضى نتيجة التدافع بين المريدين عقب الانفجار، ومع ذلك لا يستطيع اتخاذ قرار بعدم المشاركة فى الاحتفال، مضيفاً: «نحن محبون، نأتى إليه فى كل عام دون خوف من شىء، ونحن على يقين بداخلنا من أننا إذا انقطعنا عنه لعام واحد ستحل علينا المصائب». وفى منطقة «الصارى» فى سيجر، التى تبعد عن المسجد الأحمدى بنحو 3 كيلومترات، تنتشر الخيام التى أقامها البائعون بطول شارع الترعة من أجل ترويج بضاعتهم من طرابيش وطبول وحمص وحلويات استعداداً للمغادرة والتوجه إلى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ لحضور مولد العارف بالله إبراهيم الدسوقى. المنطقة مكتظة بالمريدين والسرادقات وخيام عشرات الطرق الصوفية أبرزها الأحمدية البدوية، والطريقة النقشبندية، والبيومية، والرفاعية، والسعدية، وكل طريقة تضع على مدخل خيمتها لافتة ترحب بالسادة الضيوف والزائرين، وبداخلها عشرات الدراويش والمريدين الجالسين فى نظام حلقات صغيرة، تركوا همومهم خلف ظهورهم وحملوا أمتعتهم متجهين إلى المولد حباً وعشقاً، غير عابئين بمشقة السفر، مرتدين ملابس غريبة وملتحفين بعمامات أغرب. فى إحدى الخيام التابعة للطريقة البيومية، التى تُعد إحدى أقدم الطرق الصوفية، تجلس فئات عمرية متنوعة ما بين سن 5 سنوات حتى 80 سنة، أطفال وفتيات وسيدات ورجال وكبار السن، يرددون هتافات وابتهالات فى حلقات الذكر، وتقوم السيدات بإعداد المشروبات الساخنة والباردة والعصائر وطهى الطعام لإعداد وجبات الإفطار والغداء والعشاء للزوار. إقامة مولد البدوى كل عام يساعد فى ربط شمال مصر بجنوبها، حيث إن أكثر أهل الصعيد لا يقصدون الوجه البحرى إلا فى هذا التوقيت من كل عام، نظراً لإقامة مولد البدوى، وعندما تنتهى فعالياته يذهبون إلى دسوق للاحتفال بمولد سيدى إبراهيم الدسوقى بكفر الشيخ. الشيخ حسين وهدان خطيب مسجد السيد أحمد البدوى المولد يربط شمال مصر بجنوبها «قررت المشاركة فى الاحتفالات رغم كبر سنى للوفاء بعهدى لمن ائتمنونى على نذورهم، والمشاركة فى عمل الخير، وربنا قدرنى عشان أشارك فى مولد العارف بالله البدوى للمرة 30 فى عمرى على التوالى»، بتلك الكلمات وصفت الحاجة كريمة، 67 عاماً، مشاعرها، باكية، مشيرة إلى أنها جاءت من مدينة منية القمح بمحافظة الشرقية للمشاركة، وبرفقتها أكثر من 65 فرداً ممن اعتادوا الذهاب والسفر معها للمشاركة فى الاحتفالات. لا تختلف طريقة صوفية عن غيرها، فالكل يحتفل بنفس الطريقة من خلال اصطفاف أتباعها من الدراويش مرددين وراء منشدهم الواقف على أول الخيمة أناشيدهم، مصفقين بأياديهم، متمايلين يميناً ويساراً. يقول رضا الجبالى، 52 عاماً، من محافظة أسيوط، أحد اتباع الطريقة الشاذلية: «حرصت منذ عشر سنوات على زيارة مولد السيد البدوى، فهو رجل كرامات وصاحب بطولات». وعن طريقة الانضمام إلى إحدى الطرق الصوفية، يقول مرعى عبدالمحسن، أحد أتباع الطريقة الرفاعية، إن لكل طريقة صوفية شروطاً لا بد من توافرها فى الشخص الذى يريد أن ينضم إليها، أهم هذه الشروط أن يلتزم المريد بكل ما يأمر به شيخ الطريقة ولا يخالفه أبداً فى أوامره مهما كان السبب، وأن يكون وقوراً مهتماً بالجوهر وليس الظاهر، محباً لأولياء الله الصالحين وآل البيت. رشوان عبدالله، أحد أتباع الطريقة السعدية، قال إن غالبية المريدين من كبار السن والشيوخ، مشيراً إلى أن الشباب لا يهتمون سوى بقشور الدين، أما الكبار فدائماً تجدهم يهتمون بجوهر الأمور وحقيقتها، لذلك فهم أغلبية المريدين، وغالبية الشباب منهمكون فى ظروف الحياة الصعبة ومشغولون بها لبناء مستقبلهم، إلى جانب أن البعض منهم أثناء الأذكار يهرجون ويضحكون، مضيفاً أنه دائماً يفضّل أن ينضم إلى الطريقة السعدية، حيث يتميزون بالوقار ويؤمنون بالجوهر وليس الظاهر.