حاولت أن أمسك بالقلم لأكتب قصة، فوجدتنى أعيش بين سطور قصصهم وأحداثها البريئة المؤلمة.. أغمضت عينى فرأيت أشياء متناثرة، كل منها يبحث عن صاحبه.. كتاب رؤى، تئن صفحاته التى عبثت بها رياح الشتاء القاسية فشعرت بالوحدة، وما تزال تنتظر يد رؤى الصغيرة لتمسك بقلمها الرصاص تحتضنه بأناملها وترسم أشكالاً تحاول كتابة حروف اسمها، فتمنح للسطور الدفء والحياة. فى كل الحكايات والكتب، الكلب والذئب دائما أعداء، لكن فى كتاب رؤى صار الكلب والذئب أصدقاء! ببراءة ودهشة لم تعرف رؤى الفرق بينهما، لم تدرك روحها الشفافة أن هناك غدرا وظلما وخيانة فى هذه الحياة، بيد مرتعشة أمسكت رؤى القلم ومدت خطا مائلاً لتصل صورة كل حيوان باسمه، فوصلت اسم الكلب بصورة الذئب، حينها خجل الذئب من براءتها فتخلى عن مكره وخيانته، منحته رؤى ثقتها وشبهته بالكلب فغيرت اسمه فلم يرد أن يخذلها وقرر أن يكون كالكلب فى وفائه وإخلاصه.. ليت كثيرا من البشر يخجلون من الثقة التى يمنحها لهم الآخرون فيحاولوا أن يغيروا ما بأنفسهم ويتخلوا عن كل السيئات مثل ذئب رؤى.. ذهبت رؤى وما زال نباح الكلب وعواء الذئب الحزين يبكيانها، يتردد صداهما فى كل مكان.. ووسط النباح والعواء، يرن جرس محمول إسلام.. يطول النداء وما من مجيب.. لن يرد إسلام ولن تمسك أنامله الصغيرة المحمول الذى حلم باقتنائه وكان من مكافأة والده على نجاحه وتفوقه فى الاختبار الشهرى، نجح إسلام ورحل ليترك لأسرته الاختبار الأصعب والأشد ألماً.. اختبار الفراق، عند وقوع الكارثة اتصل إسلام بوالده يخبره بها وهو يصارع النهاية، رحل إسلام وبقى المحمول يرن ويئن بين القضبان بعد أن صار صاحبه خارج نطاق الحياة.. * كارنيه صغير بللته الدموع وتناثرت فوق الاسم قطرات الدماء، ظلت يد عبدالرحمن أحمد عبدالله تحتضنه حتى اللحظة الأخيرة، حلم عبدالرحمن بدراجة صغيرة يقودها، يطير بها فيصل إلى السماء، يلهو مع النجوم ويسبح بين السحاب، لكنه من دون دراجة صعدت روحه للسماء.. * مصحف صغير احتضنته يد محمد زين العابدين، برغم سنواته الخمس حفظ محمد جزأين من القرآن، أمسك محمد بمصحفه الصغير يحفظ آية من آيات الله البينات وهو فى الطريق لمدرسته، لكن القدر لم يمهله ليكمل حفظ الآية الكريمة التى رددتها معه طيور الصباح فى أعشاشها، وبراعم الزهور فى حدائقها.. رحل محمد ورفاقه.. فسبقتهم الطيور تزفهم بشدوها للسماء وتناثرت الزهور فوقهم تنشر أريجها الزكى، لتعطر ما بقى من أجسادهم، وانحنت الجبال إجلالاً وحزناً لفراق زهور رحلت لكن أريجها سيظل باقياً يعطر الكون كله ويغمره بالنور..