لا يخفى على أحد ذلك الانفلات المهنى الذى أصاب الصحافة.. وقد عانيت من هذا الانفلات شخصياً على مدى سنوات مضت منذ اتجهت للعمل العام، وكانت المقولة الخاطئة التى يروجها الإعلام أن من يعمل فى العمل العام عليه أن يتحمل النقد، وهذا حق يراد به باطل، فهذه الجملة يراد بها تبرير الانفلات الصحفى والإعلامى المبالغ فيه، وللأسف إن أبسط قواعد العمل الصحفى لم تعد تلتزم، وشتان بين تلك القواعد وما تشهده المهنة حالياً. ومن بين ما قرأت عن نفسى الأيام الماضية أننى أهدرت المال العام فى مدينة الإنتاج الإعلامى، التى أشرف برئاستها، والسبب كما أشار كاتب الخبر هو أننى سمحت لقائمة «فى حب مصر» بتصوير إعلان للقائمة داخل المدينة، وأننى فتحت لهم أبواب المدينة مجاناً، لأننى أحد أعضاء القائمة. ووضع المحرر العنوان أن مدينة الإنتاج الإعلامى تحت أمر فى «حب مصر»، وأشار الخبر إلى أن المدعو محمود العسقلانى، أحد مرشحى قائمة الجبهة والذى لم أسمع اسمه يوماً ولم ألتق به أبداً، قام بإبلاغ اللجنة العليا للانتخابات حول هذا التجاوز، الذى قمت به. واتعجب من عدم مراجعة المحرر فيما ينشره من اتهامات، وهل لديه مستندات أم لا، كما تعلمنا نحن سابقاً. واتبع المحرر وقادته المبدأ الصحفى الجديد، وهو أن ننشر، وعلى المتضرر أن يرد، وللصحيفة أن تنشر الرد حسب هواها. ولأن الأمر لا يمسنى بشكل شخصى فقط، وإنما يمس مؤسسة مملوكة لمساهمين، فكان لا بد أن أقتطع من وقتى مساحة للرد على هذا الخبر الكاذب فى صياغته وتوقيته، فحينما طلبت قائمة فى حب مصر التصوير داخل مدينة الإنتاج الإعلامى، وافقت فوراً وفقاً للقواعد واللوائح المالية المعتمدة بها، ورفضت استخدام حقى القانونى فى منح نسبة خصم للقائمة، وهو ما أفعله مع أى جهة أخرى، وبالتالى فإن القائمة سددت مبلغاً أكبر من أى عميل آخر حرصاً على عدم الشبهة، وكان شرطى أن يتم السداد قبل التصوير، وهو ما تم بالفعل. وقد أرسلت المستندات الدالة على الدفع إلى اللجنة العليا للانتخابات بعدما سألتنى عن الأمر. وإهدار المال العام هنا يأتى إذا رفضت طلب القائمة فى التصوير، وليس فى قبولى التصوير بالمقابل المعتمد. ولأن نقابة الصحفيين هى المنوطة أساساً بالحفاظ على قواعد المهنة واحترامها، ونظراً لتعدد حالات الإساءة المتعمدة لشخصى على مدى السنوات الماضية من قبل بعض صغار المحررين الذين لا يجدون معلمين لتوجيههم، فكرت فى الاتصال بنقيب الصحفيين لاقتراح عمل دورات إلزامية للصحفيين الجدد للتوعية بالمبادئ القانونية والمهنية الأولية كشرط للقيد، ولكننى قبل أن أتصل به فوجئت به هو شخصياً يرتكب نفس الخطأ المهنى الفادح الذى ارتكبه المحرر المستجد، حيث نشرت الصحف نقلاً عنه فى لقاء جمعه بالكتاب والصحفيين باتهام مباشر لى بالاسم بأننى أقود حملة لمنع إصدار قوانين الصحافة والإعلام، فضربت كفاً بكف، لأننى لا أعرف بصراحة كيف اكتسب هذا النقيب كل تلك الجرأة كى يتهم عضواً بنقابة الصحفيين اتهاماً باطلاً، وهو على علم ويقين أنه باطل، وهناك من الحضور من صدقوا كلامه، فهو نقيب الصحفيين. فلماذا أتصل به إذن، فقد كنت أنوى مناقشة فكرة لحماية المهنة فإذا به هو شخصياً يرتكب مخالفة فى حق المهنة التى يفترض أن يكون هو الأمين عليها.. ولم يعد ممكناً بعد جريمته أن ألوم المحرر المستجد الذى نشر عنى خبراً كاذباً ما دام نقيب الصحفيين نفسه يرتكب نفس الخطأ المهنى المتعمد دون تحرى الدقة. وأقول «المتعمد»، لأنه كنقيب للصحفيين يعلم أننى كنت مكلفاً منذ أكتوبر 2014 وفق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1829 بعضوية لجنة يرأسها وزير العدل، وتضم وزير العدالة الانتقالية ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وأساتذة الصحافة الكبار مكرم محمد أحمد وصلاح منتصر وفاروق جويدة، والدكتور صفوت العالم ومحمد الأمين رئيس غرفة صناعة الإعلام. وكان التكليف إعداد مشروعات القوانين المنظمة للإعلام والصحافة وفق الدستور الجديد، وساعدنا فى هذا الأمر قسم التشريع بكامل تشكيله فى وزارة العدل. وانتهينا من المهمة فى صمت فى فبراير 2015، وانتهت علاقتنا بالأمر فور تسليمه لرئيس الوزراء السابق.. إلا أن السيد نقيب الصحفيين ورفاقه الذين تسيدوا الصحافة مؤخراً أبوا إلا أن يضع القوانين غيرهم ضماناً لاستمرارهم، كما ينص مشروع القانون الذى أعدوه وبالذات فى المادتين 199 و200 منه، وأرهبوا الحكومة بقدرة فائقة أدت إلى تأجيل البت فى القوانين لمدة 9 شهور. وأصبحت مهنة الصحافة والإعلام بلا ضابط ولا رابط عن عمد، والمجتمع يدفع الثمن، بل إن نظرة المجتمع للإعلام والصحافة أصبحت سلبية للغاية، وأى استطلاع رأى علمى وأمين سوف يؤكد ذلك. لقد أصبحت مهنة الصحافة فى خطر بالغ، حيث باتت تحكمها الشللية، ولا تحكمها القوانين والقواعد المهنية، فالأكاذيب تكال عمداً، والخلط أصبح واضحاً بين العام والخاص. ولكن المؤسف أن نقيب الصحفيين الذى ظل طيلة حياته ينتظر هذا المنصب لا يقدر أن المنصب مسئولية أمام الله وأمام الوطن، وأن النقيب مهمته إعادة المهنة لاحترامها أمام أبنائها وأمام المجتمع. ولو استمر الحال على ما هو عليه، فسوف نشهد مزيداً من الانهيار المهنى. لا يعنينى الأشخاص، ولكن تعنينى المهنة.