سوء الأحوال السورية وتطور الأحداث، المظاهرات والمداهمات والقصف اليومي، استنفاد كل الطاقات الموجودة داخل الدولة، واللجوء لاستدعاء الشباب مرة أخرى للجيش بعد إتمامهم لفترة الخدمة العسكرية، عدم الاستقرار السياسي والأمني على مدار الأربع أعوام الماضية، كل ذلك قد يدفع الشباب السوري للفرار خارج البلد بأي طريقة، أو التخفي داخلها هروبًا من استدعاءات الجيش، معرضين أنفسهم للمخاطر والهلاك في كلتا الحالتين. بدأت القصة مع الشاب السوري "أ.د"، الذي رفض ذكر اسمه حفاظًا على سلامة من تبقى من عائلته في سوريا، ويروي ل"الوطن" رحلة انتقاله من منطقته حمص إلى منطقة بين الشام ومنطقة اسمها سلامية عام 2012، تاركًا دراسته وهاربًا من اضطهاد الجيش السوري له ولباقي الشباب على حد تعبيره، وقرر الاختفاء داخل البلد عام 2013، بعدما رفد من الجامعة، وطُلب عسكريًا بسبب نقص أعداد الجنود بالجيش، أو ضخ عدد أكبر للسيطرة على أعمال الشغب والمظاهرات. لم يستطيع زيارة أي مكان يخص الجيش والنظام، حُددت إقامته إجباريًا، حيث أشتدت وتيرة الأحداث بشكل أصعب، وتملكه الخوف من أن يكون هناك دوريات تفتيش أو مداهمات من الجيش، ومن هنا قرر "أ.د" الفرار لتركيا بعد دراسة عميقة للطريق البري الذي سيسلكه، ورتب له بعض المعارف "واسطة" قوية، يمرره في سيارته على كل نقط التفتيش الحدودية دون تفتيش، مقابل 100 ألف ليرة سورية. لم يكن المبلغ سهلاً على ذلك الشاب العشريني، خاصةً بعد الوضع المؤسف الذي تمر به سوريا، ولكنه دبره بعد فترة، وبدأ رحلته غير الشرعية عن طريق البر، وبعد مروره بآخر نقطة تفتيش تابعة للنظام، استكمل طريقه بالسير على الأقدام و قابل نُقط تفتيش الجيش الحر وجبهة النصرة وكتائب إسلامية حتى الحدود التركية، ومنها استقل شاحنة تنتظرهم بقرية صغيرة لتنقلهم من مكان لآخر داخل تركيا. قابل الشاب المهربين فى تلك القرية السورية الذين انقسموا لطرفين، الأول سوري والثاني تركي، مضيفا "أخذونا من الضيعة السورية للضيعة التركية، وكان كتير صعب عملية التهريب، لأنا ما نملك جوازات سفر، وبعضنا هربان من الخدمة العسكرية، وفي محاولات أخرى تعرضنا لتهديد بإطلاق النار". وأضاف أن عملية التهريب تمت في الليل عبر طريق ترابي به حفر عميقة من الجانب التركي، "ما خفنا من الحفر والظلام، نحنا ما عندنا شيء نخاف عليه، ماراح يسير أكتر مللي سار، نزلنا بالحفر حتى وصلنا للجانب التركي، واستقبلنا المهربون وأخذوا كل شخص للمكان إللي بدو يروحه، وأنا رحت لابن عمي بمدينة أزميت التركةا". وصلوا لتركيا حالمين بالوضع الأمني الأفضل الذي لم يتوفر فى سوريا حتى الآن، حيث أنه ارتاح نفسيًا من القصف والحرب ومناظر الدماء التي توجد هناك، وأيضًا رحلته كانت صعبة ومرهقة، وفراق الأهل والأصحاب وتراب البلد التي نشأ فيها، "لكن كان عندي أحلام ومشاريع كتير وأنا بطريقي لتركيا، لما رحت اكتشفت إن الوضع السوري صعب، وإنهم مش سامحين بأذونات عمل، مجرد فاتحين استقبال للاجئين ليس أكثر". ساعات العمل للسوري ضعف ساعات العمل للتركي بحوالى 3 مرات، حيث أن السوري يعمل لمدة 13 ساعة يومياً براتب تحدده الحكومة، وهو 450 دولارًا، وهذا المبلغ قليل جدًا نسبةً للمستوى المعيشي بتركيا. وحتى رجال الأعمال السوريين لم يساعدوا الشباب بعد أن أتاحت لهم الحكومة إقامة مصانع ومشروعات وعاملوهم معالمة ال VIP ، وأضاف "أ.د" أنه إذا كان الوضع السوري بتركيا وضعا إنسانيا رحيما، ما كان ليحلم الشباب السوري بالمخاطرة والسفر للدول الأوروبية عبر طرق ينتظرهم فيها الموت.