يا ثورة ما تمت.. ماتت فوق القضبان، قُتلت وهى فى طريقها إلى المدرسة، زوجوها قاصراً، حبلت ولم تبلغ الحيض، أجهضت ولم تعرف بعدُ كيف تُطعم دميتها، وصارت فقيدةً وأبواها ما زالا فى ريعان الشباب، «وإذا الموءودة سُئلت». هل تعرف عمر بن الخطاب وواقعة البغلة؟ هل تملك حُجة تلقيها بين يدى الخالق حين يقرأون على رأسك: «مَنْ قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً»؟ يقولون إنه فى تلك اللحظة يقف الفرد بطوله.. نفوذ قطر يتوقف هناك، صفقات أمريكا السرية لا تجدى نفعاً، المرشد لا يحضر تلك الجلسة، لا «شاطر» إلا من نجا، ولا «مالك» إلا خازن النار، لا تنطلى عليهم خرافة العنقاء والماموس وطائر النهضة، لا يخضع ذاك الحاكم لضغوط، عدلٌ هو مهما خرجت مسيرات التنديد وملأت لافتات الإقالة الميادين «المحتلة»، لا يمكن تهديده ولا التشكيك بنزاهته، حكمه قيد التنفيذ ولو كره الفاسدون، وكما حُمِّل مبارك ورجاله دم الشهداء فى رقابهم، سيحمل مرسى وجماعته وحكومته دم الأبرياء، و«أوزاراً مع أوزارهم» وستلاحقهم تلك اللعنة، حتى لو خرجوا من قصر الحكم إلى أى مصير حتمى آخر. يا سيدى «الكريم» فى الإنفاق على غلق المواقع الإباحية وترك المزلقانات تحصد أرواح أطفال وطنك، يا سيدى «الثائر» المنتفض على دماء الأشقاء فى غزة، المطالب بقممٍ طارئة وإعانات عاجلة ومعابر مفتوحة، والمكتفى بصرف عدة آلاف وبضع دعوات لكل مصاب وفقيد ممن سقطوا تحت سمائك.. هل تعرف معنى أن تصبح راعياً؟ هل تعرف كيف تصون دماءً سقطت تارة فوق حدودك، باتت تحرس أرضك، وسقطت تارة فوق قضيب حديد لا يرحم كراسة طفل أو أحلاماً يسطرها بقلم لم يتعلم بعدُ كيف يطوعه قيد يمينه؟ هل تذكر قول الله: «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها»؟ هل تعرف كيف تُطمئن ثكلى؟ هل شاهدت أوباما -غير المسلم- كيف ترجَّل بين العامة وقت الإعصار، يضمد جرحاً ويربت كتفاً؟ وكأنّا أدمنَّا الدم، وكأنّا أدمنا الفقد والبتر والإخصاء.. وكأنّا ما عدنا نكترث إلا بمزيدٍ من دعواتك «وأشفقن منها». تحمل قائمة الموتى تلك الأسماء: أحمد أشرف هاشم، محمود أشرف هاشم، محمد أشرف هاشم، شيماء محمد منصور، أحمد محمد منصور، ثمَّة أم باتت تحتضن ثلاثة أبناء، هم كنز الأرض وزينتها، وثمَّة أم أخرى سلَّمت شيماء وأحمد إلى يد المشرفة والشمس تداعب أعيناً تتمنى لو تسترق دقائق نوم لم يكتمل، صار الصبية شهداء، والوالدات لم يجتزن أعتاب البيت بعدُ، وكان القيادى عصام العريان يهتف مغرداً: «إنها الكوارث تتعاقب علينا.. أعيدوا البرلمان يرحمكم الله»، وكلما وقعت كارثة، وكلما سالت الدماء، جاء إلى العريان الهاتف نفسه، «وحملها الإنسان»، لا يصمت، لا يمل، برلمان الإخوان هو الحل، وكأن الرئيس وحكومته و«تأسيسيته» والشورى سيوف مغمودة، وحده مجلس الشعب القادر على وقف النزيف، «إنه كان ظلوماً جهولاً». يقول الشاعر الغاضب: ما كانَ مُحتَملاً حَدَثْ لا تَكتَرِثْ وانفُضْ غُبارَ الخوفِ لن تخشَى أحدْ كلُّ الذينَ تَظُنُّهم أحياءْ وَطنٌ مِنَ الموتَى وشَعبٌ مِن جُثثْ صَعبٌ لكَ التحديدُ فى زمنِ العَبَثْ كلُّ الذى تَلقاهُ يَعلو فوقَ أجسادِ العِبادْ ليستْ رُؤوساً فاقتَرِبْ مِنها قليلاً ستَشُمُّ رائحةَ الرَّوَثْ