العيد فى اللغة مشتق من العود، وهو الرجوع والمعاودة؛ لأنه يتكرر. وفى اصطلاح الفقهاء يطلق العيد على يومى الفطر والأضحى؛ لما أخرجه النسائى عن أنس قال: كان لأهل الجاهلية يومان كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبى، صلى الله عليه وسلم، المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى». ويستحب للمسلم إحياء ليلتى العيدين بطاعة الله تعالى من فعل الخيرات فى حق الآدميين وعدم نسيان حق الله سبحانه؛ لما رواه الطبرانى بسند فيه مقال عن عبادة بن الصامت، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب». ويستحب للمسلم فى يوم العيد أن يتزين ويتنظف ويحلق شعره ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب ويتسوك؛ لما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلبس فى العيدين بردى حبرة (والحبرة على وزن عنبة، ضرب من البرود اليمانية). كما أخرج ابن السكن فى صحيحه عن عائشة -رضى الله عنها- أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبى مهنته لجمعته أو لعيده». وذهب عامة الفقهاء إلى استحباب تبادل التهانى بالعيد من حيث الجملة؛ لأنها مشاركة بالتبريك والدعاء لأخيه فيما يسره ويرضيه، ولما فى ذلك من التواد والتراحم والتعاطف بين الناس. وقد جاء فى القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم، وذلك فى قوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (الطور: 19). كما ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب التزاور فى العيد بين الأهل والأصدقاء، واستحباب التوسعة على الأهل بالغناء واللعب دون محظور شرعى؛ لما أخرجه الشيخان عن عائشة قالت: دخل علىّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعندى جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبوبكر فانتهرنى، وقال: مزمارة الشيطان عند النبى، صلى الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا». وأخرج أحمد عن أنس قال: كان الحبشة يزفنون (يعنى يرقصون بالتوثب) بين يدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقولون: محمد عبد صالح، فقال، صلى الله عليه وسلم: «ما يقولون»؟ قالوا: يقولون: محمد عبد صالح، فلم يعقب، كأنه أقرهم على فعلهم وقولهم. وعن حكم صلاة العيدين نحكى إجماع الفقهاء على أنها من شعائر الإسلام، وأن حكمها للرجال المسلمين فيه ثلاثة مذاهب فى الجملة. المذهب الأول: يرى أن صلاة العيد للرجال واجبة، وهو مذهب الحنفية فى الصحيح المفتى به عندهم، والواجب عند الحنفية فى منزلة بين الفرض والسنة. وحجتهم: مواظبة النبى، صلى الله عليه وسلم، على صلاة العيد من دون تركها ولو مرة. المذهب الثانى: يرى أن صلاة العيد للرجال فرض كفاية إذا قام به بعض أهل القرية أو المحلة سقط الذنب عن الباقين، فإن تركوها أثموا جميعاً، وهو مذهب الحنابلة. وحجتهم: أن الله تعالى أمر بصلاة العيد على أشهر التفاسير فى قوله تعالى: «فصل لربك وانحر» (الكوثر: 2)، والأصل فى الأمر أنه يدل على الوجوب. المذهب الثالث: أن صلاة العيدين للرجال سنة مؤكدة، وهو مذهب المالكية والشافعية. وحجتهم: ما أخرجه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله فى قصة الأعرابى الذى جاء يسأل النبى، صلى الله عليه وسلم، عن الفرائض فأخبره بالصلوات الخمس، فقال: هل على غيرها؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: «لا إلا إن تطوع». وأيضاً فإن صلاة العيدين لم يشرع لها أذان فلم تكن واجبة كسائر النوافل التى لم يشرع لها أذان. وأما قضاء صلاة العيدين لمن فاتته بسبب النوم أو التأخر عن حضور جماعتها، فقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة مذاهب. المذهب الأول: يرى أن صلاة العيدين ليس لها قضاء لمن فاتته الجماعة مهما كان عذره. وهو مذهب الحنفية والمالكية. وحجتهم: أنها صلاة خاصة لم تشرع إلا فى وقت معين وبقيود خاصة، فلا بد من تكاملها جميعاً، ومنها الوقت. المذهب الثانى: يرى أنه يجوز قضاء صلاة العيدين لمن فاتته فى أى وقت شاء وكيفما كان منفرداً أو جماعة. وهو مذهب الشافعية. وحجتهم: القياس على مشروعية القضاء فى الصلوات النوافل مطلقاً. المذهب الثالث: يرى أن الأصل فى صلاة العيدين هو عدم القضاء لمن فاتته، فإن أحب قضاءها، فعليه أن يصليها أربع ركعات تعويضاً عن الخطبة. وهو مذهب الحنابلة. وحجتهم: القياس على صلاة الجمعة، فإن من فاتته الجمعة فإنه يصليها ظهراً أربع ركعات. قالوا: وإذا صلى العيد أربع ركعات قضاءً فله أن يصليها بسلام واحد مع التشهد الوسط كالظهر، وله أن يصليها بسلامين يصلى كل ركعتين بسلام. وأخيراً نذكر حكم اجتماع العيد والجمعة فى يوم واحد، وهل يترخص لمن أدرك صلاة العيد فى جماعة مع إمام المسجد أن يصلى الجمعة ظهراً ولا يلزم نفسه بالنزول مرة ثانية فى اليوم نفسه لصلاة الجمعة فى المسجد؟ مذهبان للفقهاء فى الجملة. المذهب الأول: يرى أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة فلا يجوز لمن شهد العيد أن يتخلف عن حضور صلاة الجمعة بغير عذر مشروع، وهو مذهب الحنفية والمالكية. وحجتهم: عموم قوله تعالى: «ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ» (الجمعة: 9)، كما أن صلاة العيد تختلف عن صلاة الجمعة فى الوقت والهيئة والصفة، فلا يغنى حضور صلاة العيد عن الحضور لصلاة الجمعة. المذهب الثانى: يرى أنه إذا اجتمع العيد والجمعة فى يوم واحد فإنه يجوز لمن حضر صلاة العيد فى جماعة مع الإمام أن يترخص فى عدم حضور صلاة الجمعة وعليه أن يصليها ظهراً، وهو مذهب الشافعية والحنابلة فى الجملة، واستثنى الحنابلة الإمام فأوجبوا عليه حضور الجمعة حتى ولو أدرك صلاة العيد فى جماعتها. وحجتهم: ما أخرجه أحمد بسند فيه مقال عن زيد بن أرقم أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى العيد فى يوم جمعة ثم قال: «من شاء أن يجمع فليجمع». كما أخرج أبوداود والدارقطنى وصحح إرساله عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا لمجمعون». قالوا ولأن حضور الجماعة فى صلاة الجمعة بعد حضور الجماعة فى صلاة العيد فى اليوم ذاته فيه مشقة وحرج وقد قال تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (الحج: 78). ونعتقد أن إبانة هذه الأحكام الفقهية بتعدديتها ينهى الوصاية الدينية والتنازع الفقهى ويقضى على الصراع الدينى بأكذوبة امتلاك الحقيقة المطلقة، فما من رأى فقهى إلا وهو فى نظر من اختاره «صواب يحتمل الخطأ»، وفى نظر من تركه «خطأ يحتمل الصواب». والسيادة فى الاختيار والترك لقلب كل إنسان مع نفسه لما أخرجه أحمد بسند حسن عن وابصة بن معبد أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال له: «استفتِ نفسك استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».