الدعاء مخ العبادة، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، وهو جوهر تعبد الإنسان لخالقه، والله تعالى يقول: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ». فلو تأملت الآية الكريمة ستجد أن الله تعالى بعد أن أمر المؤمنين بالدعاء والابتهال إليه، وصف من يستنكفون عن ذلك بأنهم يستكبرون عن عبادته سبحانه وتعالى. نحن مطالبون بالدعاء لله تعالى وطلب المعونة منه فى كل المواقف، بل والشكوى إليه، كما فعل يعقوب عليه السلام حين قال لأبنائه: «قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ». وللمصريين مع «الدعاء» شأن، أى شأن، فحياتنا على رأى بعضهم «ماشية بالدعا»! أى برحمة السماء وليس باجتهاد أهل المحروسة على الأرض. وفى الوقت الذى يميل فيه المصرى إلى الدعاء إلى غيره، أو يحب أن يسمع دعاء غيره له، فإنه يحتاط من فكرة الدعاء على الغير، ويميل أغلبنا إلى توجيه من يريد ذلك إلى قول: «منه لله»، بمعنى أنك إذا وجدت نفسك غاضباً من شخص أو على شخص فيكفى جداً أن تقول له: «منك لله»، أو تقول بلغة الغائب «منه لله»، لأن عند الله خلاص الحقوق، كما تفتى القريحة الشعبية. ويميل من يسمع دعاء أحد على شخص معين إلى القول «الدعا على أد الظلومة»، من منطلق أن الله تعالى لا يرد دعوة المظلوم، مصداقاً لهذا الجزء من الحديث النبوى الذى يقول فى شأن الدعوات الثلاث التى لا ترد: «ودعوة المظلوم تصعد إلى الله بغير حجاب فيقول لها وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين». الدعاء جزء من ثقافة المصريين، ولعلك تابعت ذات يوم احتشاد المصريين خلف هذا الشيخ أو ذاك فى صلاة التراويح فى رمضان، حيث يكون دعاء القنوت الذى يقوله الشيخ سراً من أسرار التزاحم على الصلاة خلفه، فتجد أحدهم يقول: «سأصلى التراويح فى المسجد الفلانى لأن الشيخ العلانى يدعو دعاء تقشعر له الأبدان». وما أكثر أن تتحول الأدعية إلى بكائيات، حين تلهث ألسنة الناس من خلف الشيخ بالتأمين (أى بقول آمين.. ومعناها اللهم استجب). السلطة هى الأخرى ليست بعيدة عن موضوع «الدعاء»، وقد تتدخل فى أحيان لمنع شيخ معين من إمامة المصلين، بسبب الدعاء، ولعلك سمعت ما يردده البعض من أن الأمن منع أحد المشايخ من إمامة صلاة التراويح بأحد مساجد القاهرة الشهيرة العام الماضى، بسبب دعائه على الظالمين! ولست أدرى لماذا لا تسلك السلطة سلوك المواطن، فتصمت أو تردد ما يقوله فى هذا المقام «الدعا على أد الظلومة». فليس ثمة داع للقلق أو الانزعاج من دعاء خلق الله كلهم على بنى آدم، إذا كان مطمئناً إلى أنه يفعل ما يرضى الله، أو أن تكون نيته -فيما يفعل- خالصة لوجهه تعالى، حتى ولو أخطأ. المسألة لا تدعو إلى القلق أو الانزعاج إطلاقاً ويكفيه جداً أن يكون مطمئناً إلى حقيقة أن «الدعا» -بالفعل- على «أد الظلومة»! قبل أن أنهى المقال أستأذنك عزيزى القارئ فى التوقف عن الكتابة فى قضايا الشأن العام بدءاً من الغد، غرة شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا جميعاً بالخير والسعادة، لأننى أحب السباحة خلال الشهر الفضيل فى التراث الإسلامى، وتناول بعض أحداثه وقضاياه، ولتجمعنا بداية من الخميس سلسلة «عناقيد الغضب».. كل عام أنت بخير.