فى ذات فترة كانت كئيبة ومزعجة للغاية داهمت مسكننا خاصة فى المطبخ ودورات المياه جحافل من الصراصير.. وكانت محنة مفزعة بمعنى الكلمة. فى البداية لجأنا بجميع أنواع المبيدات الحشرية التى فى الصيدليات.. وفى كل مرة تتلاشى الصراصير ثم تعود مرة أخرى للظهور بعد أيام قليلة بنفس الكثافة والضراوة.. فما كان أمامنا من حل سوى اللجوء لشركات التخلص من الحشرات.. ودفعنا مبالغ طائلة لإحدى هذه الشركات وقام عمالها برش أرجاء المسكن بكثافة شديدة بمبيدات أقسموا أنها فتاكة لجميع أنواع الحشرات الزاحفة، خاصة الصراصير أم شناب. وبالطبع كان لزاماً، حسب أوامر عمال الشركة، أن نغادر المسكن ونتركه مغلقاً لمدة ثلاثة أيام.. وعندما عدنا، وبعد تنظيف المسكن من جثامين الصراصير النافقة، استمتعنا بفرحة التخلص من تلك الحشرات التى كانت تكدر حياتنا.. لكن للأسف فرحتنا لم تدم كثيراً، إذ ما لبثت أن ظهرت الصراصير مرة أخرى بكميات قليلة، ثم تكاثرت وكأننا لم نفعل شيئاً.. وأصبحت مشكلتنا العويصة هى كيفية التخلص من تلك الحشرات التى تنغص حياتنا.. وحقيقة، أعدنا الكرّة مع شركة رش مبيدات أخرى، ثم ثالثة، ورابعة.. والحال على ما هو عليه.. حتى اكتشفت حماتى، فى إحدى زياراتها لنا، بيت الداء وهو بتلخيص شديد «بيض الصراصير» المنتشر بكثافة خلف أثاث المطبخ وفى أركان خفية فى أرفف المطبخ و«ضلفه» وخلف الثلاجة والديب فريزر والبوتاجاز... إلخ، فأحضرت خادمتها واندمجت هى وخادمتها وخادمتنا وزوجتى ونحن جميعاً فى تنظيف أرجاء المطبخ وضلفه وأركانه من بيض الصراصير بدقة، بحيث لم تتبق فى أرجاء المطبخ والحمامات والبيت كله بيضة صرصور واحدة.. ومنذ ذلك اليوم لم نر فى أرجاء بيتنا صرصوراً واحداً.. لماذا؟ لأننا تخلصنا من الصراصير، والأهم من ذلك أننا تخلصنا من بيض الصراصير الذى يحمل صراصير جديدة مقبلة. وفى اعتقادى ويقينى أن التطرف الدينى والإرهاب وعناصره هم أولئك الصراصير المزعجة والمكدرة للحياة والمهددة لأمن وأمان وتقدم الوطن، وأن القضاء على هؤلاء الإرهابيين بالأباتشى وجميع أنواع الأسلحة ليس هو الحل الحاسم والجازم والقاصم لتفشى ظاهرة التطرف الدينى والإرهاب.. وذلك لأننا كمن يرش الصراصير بالمبيدات الحشرية القاتلة بينما هناك مئات الآلاف من بيض هذه الصراصير ستفرخ بعد فترة وجيزة صراصير جديدة.. وذلك لأسباب كثيرة أهمها تدنى الحالة الاقتصادية والبطالة وغياب الخطاب الدينى المعتدل وغياب الاهتمام بالأنشطة الرياضية والثقافية والفنية والإبداعية. وقد أبهرنى صديق العمر الفنان القدير عبدالرحيم حسن -الذى له أدواره المميزة وعلاماته الواضحة فى عشرات المسلسلات والأفلام، والذى شرفت به فى دور مهم فى مسلسل «قضية رأى عام» ومسلسلات أخرى، والذى عمل لأعوام عديدة مديراً عاماً لمسرح الغد التابع لهيئة المسرح بوزارة الثقافة- بفكرة وورقة عمل لمشروع قومى عملاق كفيل بأن يجتز جذور التطرف والإرهاب قبل أن تنبت.. وكفيل بأن يُثرى الحركة الثقافية والفنية والإبداعية فى ربوع مصر وبين فتيانها وشبابها: «المهرجان الثقافى القومى - مصر أرض المواهب الثقافة قاهرة الإرهاب» ولتسمحوا لى بأن أنقل إليكم، خاصة للرئيس السيسى ولرئيس الوزراء ولوزير الثقافة ولوزير المالية، ما جاء فى ورقة العمل والدراسة التى أعدها الفنان القدير عبدالرحيم حسن تحت عنوان «المهرجان الثقافى القومى - مصر أرض المواهب» تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية وتحت شعار «الثقافة قاهرة الإرهاب»، إذ يقول فى بداية دراسته: «إنها حقيقة نعلمها ونعيشها جميعاً، بل وكلنا إيمان بأن مصر أرض المواهب فى أرجاء ربوعها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، فقد حبا الله شعب مصر منذ القدم بالموهبة الفنية التى تعيش والتى هى متوغلة فينا جميعاً.. والثقافة هى الماء الذى يجب أن يرتوى به العطشى فى كل بقاع الوطن الحبيب، وخاصة فى كفوره ونجوعه وقُراه، وقد كان من نتاج عدم الاهتمام بالمواهب فى هذه المناطق، الذى وصل لحد الإهمال عن قصد أو غير قصد، أن تكالبت العقول المدمرة والمكفرة والمدعية تحت شعار الدين على عقول أهالينا، خاصة فى المناطق سالفة الذكر، واستخدمتها ضد أمن مصر وذلك لانحسار دور الموجه السياسى الذى أفسح المجال للشيخ السياسى من خلال المسجد أو الزاوية ليسيطر فكرياً على شبابنا ويخضعهم لفكر السمع والطاعة، ويسهل هنا تحويلهم إلى عناصر هدامة وعناصر إرهابية، ولا ينجو شاب من هذا إلا بمجهود شخصى ذاتى.. ولذا كان من الضرورى أن تولى الثقافة من حيث دورها التنموى للفكر المستنير أهمية خاصة تضمن من خلال خطة محكمة أن تُخرج شبابنا من تبعية السمع والطاعة إلى الحوار والرأى والرأى الآخر وإعلاء دور التثقيف والفن والتفوق فى مجالاتها المختلفة.. وذلك بتنمية مواهبهم والاهتمام بها وصقلها وتفعيلها، ويجب ألا ننسى أن عظماء وأعلام مصر فى جميع المجالات خرجوا من قرى مصر على كافة المستويات الفنية والثقافية والعلمية والسياسية وغيرها.. وقد جاء الوقت وحان للتفكير فى كيفية توصيل الثقافة لمستحقيها فى قرى وكفور ونجوع مصر واحتواء أبنائها وعودتهم إلى حضن أمهم الغالية مصر مرة أخرى. والفكرة كالتالى إطلاق مشروع قومى على مستوى مصر يتبناه رئيس الجمهورية وتحت رعايته وينفذ من خلال وزارة الثقافة وتدعمه وزارة المالية وكبار رجال الأعمال والبنوك والشركات الكبرى، فهو مشروع عودة أبناء مصر لأحضانها، لذلك يجب أن يشارك فيه الجميع. والمشروع عبارة عن: أولاً، إطلاق مسابقات فى جميع أفرع الفنون «التأليف المسرحى، التمثيل، السيناريو، القصة الروائية، القصة القصيرة، التمثيل، الغناء، الشعر، الموسيقى، الفن التشكيلى.. إلخ»، ثانياً: الفئة المستهدفة «بدايةً أبناؤنا فى قرى وكفور ونجوع مصر» ثم على مستوى المراكز، ثم على مستوى المحافظات، ثم على مستوى الجمهورية.. ثالثاً: تتم هذه الفكرة ويتم تفعيلها من خلال الهيئة القومية لقصور الثقافة، حيث إنها الجهة الوحيدة التى تمتلك فى كل مركز من محافظات مصر مقراً لها.. رابعاً: تشكيل لجان تحكيم من أبناء المحافظة فى كل المجالات المطروحة.. خامساً: يحدد ثلاثة فائزين فى كل مجال فى كل مركز ثم يتم التصعيد على مستوى المحافظة لاختيار ثلاثة فائزين فى كل مجال وبعد ذلك يتم التصعيد على مستوى الجمهورية.. سادساً: الأعمال الفائزة تتاح لها فرصة الظهور وإنتاجها وعرضها على الجمهور.. سابعاً: يتم عمل ورش فنية فى جميع المجالات من المتخصصين.. ثامناً: تقوم قنوات التليفزيون المصرى بتغطية فعاليات هذه المسابقات منذ بدايتها وحتى الليلة الختامية التى هى المسابقة الكبرى على مستوى الجمهورية وبحضور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء بتكريم الفائزين على مستوى الجمهورية.. تاسعاً: يتم تدبير دعم مالى من وزارة المالية والشركات والبنوك وكبار رجال الأعمال لتفعيل هذا المشروع، وهذا التمويل يوزع كالتالى: أ- مكافآت للفائزين لتشجيعهم، وترتفع قيمة المكافأة مع التصعيد.. ب- مكافآت للجان المسئولة عن قراءة وفرز الأعمال واكتشاف المواهب فى جميع المجالات.. عاشراً: يكون هذا المهرجان سنوياً يحدد فى نهاية كل عام. أهداف المشروع شغل وقت فراغ أبنائنا فيما هو مفيد لهم وفيما ينمى مواهبهم ويثقفهم، حيث الفائز يجتهد كى يفوز فى التصعيد أو مرة أخرى، والذى لم يحالفه الحظ يجتهد ويحاول كى يفوز فى المرات المقبلة.. وبالتالى نكون قد نجحنا فى شغل أوقات وتفكير وحيز اهتمام أبنائنا فى هذه المناطق وفى جميع أرجاء مصر من عام إلى آخر، ويكسب بالتالى وطننا مبدعين جدداً يضيفون للحركة الثقافية والفنية.. بل من الممكن أن يستطيع هذا المشروع احتواء أبنائنا الذين ضلت أفكارهم ليعودوا من خلال تنمية مواهبهم المكبوتة مرة أخرى، فيصبحوا ذوى عقول رشيدة يتم الاستفادة منها أو على الأقل لا ينجذبون لدعوات التطرف والإرهاب.. وأخيراً وليس آخراً (والحديث نقلاً من ورقة العمل بقلم الصديق عبدالرحيم حسن) أن الموهبة التى وهبها الله للإنسان إذا تم تنميتها وصقلها وظهورها للنور تستطيع أن تقضى على الإرهاب والجهل والفشل فى حيز وجودها. وكنموذج عمل لمحافظة يتبع لها خمسة مراكز أولاً: يشارك فى المسابقة جميع المراحل العمرية من سن 15 سنة للجنسين. ثانياً: الدعم المطلوب للمحافظة لتنفيذ هذه الفكرة: 1- المرحلة الأولى: 3 فائزين فى كل مجال لعدد 7 مجالات فى كل مركز، فيصبح عدد الفائزين 21 فائزاً لعدد 5 مراكز فيكون الناتج 105 فائزين فى المحافظة.. 2: قيمة المكافأة أو الجائزة لكل فائز ألف جنيه (105 آلاف جنيه) على مستوى المراكز الخمسة.. 3- يتم اختيار عدد 3 لكل مجال لعدد 7 مجالات من الفائزين للفوز على مستوى المحافظة 3*7 = 21 فائزاً تحدد لكل منهم مكافأة أو جائزة مقدارها «5 آلاف جنيه»، والفائز الثانى فى كل مجال على مستوى المحافظة يحصل على مكافأة قدرها 4000 جنيه، والفائز الثالث فى كل مجال يحصل على مكافأة 3000 جنيه.. بالإضافة لمكافآت أعضاء لجان التحكيم + مكافآت العاملين بمديريات ومراكز الثقافة والأساتذة المتخصصين لزوم الورش الإبداعية، سنفاجأ بأن تكلفة فعاليات هذا المهرجان على مستوى المحافظة المكونة من خمسة مراكز هى فقط «404 آلاف جنيه».. يتحمل هذا المبلغ رجال الأعمال بالمحافظة.. أما على مستوى الجمهورية فتكلفة المهرجان لعدد جوائز 3 * 7 مجالات شاملة الدروع والشهادات ومكافآت لجان التحكيم فهى فقط «555000»، وهذه القيمة يساهم بها رجال الأعمال الكبار على مستوى الجمهورية، ويكرر هذا الاحتفال سنوياً برعاية أبناء مصر، وحفل الختام يتم بحضور السيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكبار المسئولين لدعم هذا الانتماء الوطنى.. وبهذا نكون قد تخلصنا من بيض الصراصير.. وكذلك، وهو الأهم أيضاً، نكون بذلك قد أثرينا الحركة الثقافية والفنية والإبداعية ثراء كبيراً، سيعود حتماً بالنفع على السلوكيات وكافة المجالات بملاليم زهيدة.. ويا سيدى الرئيس، ويا رئيس الوزراء، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، والله من وراء القصد.