فى إطار المحاولات الراهنة لمعالجة ما شاب الواقع العالمى المتسارع من حالة تدهور خطيرة فى منظومة القيم والأخلاق، والتى باتت تهدد السلم الاجتماعى والأمن الدولى، لم تتوان دار الإفتاء وذراعها الدولية، المتمثلة فى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، عن القيام بواجبها تجاه العالم الإسلامى، الذى يئن من مستجدات متسارعة، تستلزم وقفة من صانعى القرار والقيادات الدينية وأصحاب الضمير الحى، لإعادة إحياء القيم والأخلاق الإنسانية والدينية، التى توارت كثيراً خلف كثير من الاضطرابات العالمية. ومن منطلق استشعارها بالمسئولية الكبيرة تجاه الأمة، ولإدراكها خطورة ما يجرى على الساحة العالمية والافتراضية من تطورات متسارعة، أعلنت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم عن عقد مؤتمرها الدولى فى نسخته التاسعة، تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع»، على مدار يومى 29 و30 يوليو الجارى، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى. وبحضور كبار رجال الفتوى والوزراء والعلماء من أكثر من 100 دولة حول العالم، وبمشاركة أممية عالية المستوى من عدد من الهيئات الدولية، حيث يُعد المؤتمر العالمى للإفتاء حدثاً سنوياً هاماً، يسهم فى تعزيز مكانة الإسلام فى العالم، ونشر القيم والمبادئ الإسلامية، وتعزيز التعاون بين المسلمين. رجال الفتوى والعلماء على اتصال وثيق بالجماهير والحكومات والمؤسسات الفاعلة ويضطلعون بدور مهم فى نشر القيم الأخلاقية وحول أهمية انعقاد المؤتمر فى هذا التوقيت، أكدت الأمانة العامة للإفتاء أن المؤتمر يسعى إلى استنهاض همة العلماء والباحثين وأصحاب الرأى والفكر فى العالم، لبعث هذا الأمل والقيام به فى الواقع، ذلك أن المؤسسات الدينية بشكل عام، ومؤسسات الفتوى بشكل خاص، تستطيع أن تلعب دوراً هاماً فى قضية الإصلاح الأخلاقى، وترسيخ المعانى الصادقة لمفهوم حقوق الإنسان، التى تنبثق فى الأساس من المقاصد العليا للأديان. وأشارت إلى أن رجال الفتوى والعلماء فى العالم كله، بما لهم من اتصال وثيق بالجماهير والحكومات والمؤسسات الفاعلة، يضطلعون بدور مهم فى توظيف الفتوى لنشر القيم الأخلاقية، ويملكون الآليات وأدوات التأثير التى تمكنهم من إحداث حراك إيجابى فى العالم، فى مجال القيم الأخلاقية والروحية لتسود العالم كله. وترسيخاً لبعث صوت القيم الأخلاقية والإنسانية من جديد ليبدد الأصوات الداعية إلى الإبادة والقتل والكراهية والتعصب والتطرف، أوضحت الأمانة العامة للإفتاء أن نقاشات المؤتمر ستدور حول ثلاثة محاور، الأول هو «البناء الأخلاقى فى الإسلام ودور الفتوى فى تعزيزه»، حيث يناقش هذا المحور أهمية الأخلاق فى الإسلام، ودور المفتين فى نشرها وتعزيزها بين المسلمين، وذلك من خلال إصدار الفتاوى التى ترسخ القيم والمبادئ الإسلامية، وتعالج الظواهر السلبية التى تهدد المجتمع. وأضافت أن المحور الثانى بعنوان «الفتوى والواقع العالمى.. الأفكار والمبادئ»، ويبحث هذا المحور فى آليات التعامل مع التحديات والقضايا المستجدة التى يواجهها المسلمون فى مختلف أنحاء العالم، وذلك من خلال تطوير منهجية للفتوى تتناسب مع العصر الحديث، وتراعى التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، أما المحور الثالث فعنوانه «الفتوى ومواجهة عقبات وتحديات البناء الأخلاقى لعالم متسارع»، ويتناول العوامل التى تعوق نشر القيم الأخلاقية فى المجتمع، مثل انتشار الأفكار المتطرفة والظواهر السلبية، ودور المفتين فى التصدى لهذه العوامل، من خلال نشر الوعى والتثقيف وتعزيز الحوار بين مختلف فئات المجتمع. وحول أهم أهداف المؤتمر السنوى التاسع لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، فقد أوضحت الأمانة العامة أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء فى العالم، كما يسهم فى نشر الوعى الدينى والفكرى، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعزيز القيم والمبادئ الإسلامية، وأضافت أن فعاليات المؤتمر تتضمن عقد 3 ورش عمل، الأولى حول «الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته» فى العلوم الشرعية عامة، وعلوم الفتوى على وجه الخصوص، والثانية حول «إدارة الحوار العلمى» من جهة، والدينى والإفتائى من جهة أخرى، لوضع ميثاق أخلاقى للتطورات فى مجالات العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية، أما الورشة الثالثة فهى حول «رصد وتحليل إشكاليات المحتوى الدينى المتطرف» فى المنصات الرقمية وسبل معالجته. يحمل مشروعات رائدة ومبادرات مهمة على رأسها إصدار «الميثاق العالمى للقيادات الإفتائية والدينية» لصنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية واستمراراً للعطاء العلمى والفكرى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء، يقدم المؤتمر فى دورته التاسعة عدداً من المشروعات الرائدة والمبادرات المهمة، من أهمها مبادرة «المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية»، وهى معلمة تجمع بين دفتيها جميع ما يتعلق بالإفتاء ومصطلحاته، وتأهيل المفتين علمياً ومهارياً، وإدارة المؤسسات الإفتائية، وبيان ارتباط الفتوى بمختلف المجالات العلمية والفكرية الحديثة، وكذلك إصدار الميثاق العالمى للقيادات الإفتائية والدينية فى صنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات. وهو خريطة متكاملة ترسم الأدوار وتحدد المهام للقيادات الإفتائية والدينية، إضافة إلى إصدار عدد من الأدلة الإرشادية بلغات مختلفة، وموسوعة علمية للتدين الصحيح والتدين المغشوش، والمدونة الأخلاقية لمهنة المفتى والإفتاء، وهى مدونة تمت صياغتها لتكون المرجعية الأساسية لكل العاملين بالمؤسسات والهيئات الإفتائية، إلى جانب العديد من المشروعات الهامة التى من المتوقع أن يتم الإعلان عنها فى ختام جلسات المؤتمر. ومن المتوقع أن يسفر المؤتمر عن عدد من التوصيات والقرارات التى تسهم فى تحقيق أهدافه، ومن أهمها تطوير منهجية للفتوى تتناسب مع العصر الحديث، وتعزيز دور المفتين فى نشر القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية، والتصدى للظواهر السلبية والعوامل التى تعوق نشر الأخلاق، وتعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء فى العالم.