أيام قليلة ويكمل الرئيس عبدالفتاح السيسى عاماً فى منصب الرئاسة. وحيث إنه من المتوقع -أو بالأحرى من المؤكد- أن طوفاناً مهللاً وفيضاناً مندداً سيملأ الأجواء ويتخم الشاشات ويغزو كل ما يمكن غزوه من ساحات وساعات ومساحات، وحيث إننى احتفظت لنفسى على مدار الأشهر الماضية بما لدىّ من ملحوظات، وما يدور فى ذهنى من أفكار، وما أتمناه من أمنيات، فسأسمح لنفسى بطرحها قبل أن تكتظ الساحة بالمهنئين، ويتواتر عليها كذلك المنددون. نقاط عشر تختصر المسافة وتوجز البلاغة، علها توصل الرسالة. أولاً: بغض النظر عما تؤول إليه سنوات قيادة الرئيس السيسى لمصر من إنجازات وإخفاقات، وإيجابيات وسلبيات، سيظل اسمه متمكناً من كتب التاريخ، باعتباره المحرك الرئيسى لتحول مسار مصر من دولة دينية إلى دولة مدنية. ثانياً: شئنا أو أبينا، سخرنا أو قبلنا، فسيظل المصريون فى مجملهم شعباً يمتلك قدرة فطرية على الحكم على الأشخاص، بناءً على مشاعر غير مادية ونظريات عاطفية لا تخضع لمعايير بعينها ولا تعترف بمقاييس دوناً عن غيرها، وقد حكم قطاع عريض على الرئيس السيسى حكماً عاطفياً وسلموه مصائرهم، بناءً على تحركات وطنية أنجزها ومشاعر صادقة أرسلها (وهذه الجزئية غير واردة فى كتب العلوم السياسية أو مراجع البنى الاقتصادية). ثالثاً: طريقة الرئيس السيسى فى التفكير تختلف عن تلك التى باتت سائدة فى مصر، لا سيما بين المسئولين، حيث القدرة على التخطيط، سن الأولويات، ضبط الإيقاع، تحفيز الهمم، المصارحة دون إفراط، وإبداء الملحوظات دون تجريح. رابعاً: رغم أن فكرة اللقاء الشهرى مع المواطنين عبقرية (بغض النظر عن الأخطاء الفنية القاتلة)، وموضوع البريد الإلكترونى ممتاز (بغض النظر عن العنوان الغريب)، لكن المصريين يحتاجون قدراً أكبر من المصارحة مع الرئيس، ونوعاً مغايراً من التحفيز يعيدهم لأجواء ثورة يونيو الحماسية. فقد فترت همم وانكسرت أمنيات ربما تحت وطأة محاربة الإرهاب، أو مواجهة ما يُحاك حولنا من تقسيمات، أو مجابهة ما تنضح به بالوعات الفساد والبلادة. خامساً: فساد الذمم وبلادة الحس وانهيار الضمير من أكثر ما أفسد الحياة فى مصر، وظنى أنها تؤرق الرئيس. لكن مجابهتها وتصحيح المسار لا يحتاج رئيساً صادقاً أو حكومة مجتهدة أو خبراء ومنظرين، بقدر ما يحتاج مصارحة ومواجهة، ومن ثم جراحة قد تكون مؤلمة تعقبها علاجات ضرورية تبدأ بالتعليم وتمر بالثقافة والفنون وتنتهى باستمرارية ويظللها جميعاً القانون ودولته. سادساً: ليس مبالغة القول إن من أبرز ما ميّز عاماً من حكم الرئيس السيسى هو حديثه عن الخطاب الدينى وضرورة تحديثه. فالمواربة فى ظل ما وصلت إليه مصر على مدار عقود من تشويه للخطاب الدينى وفتح الأبواب على مصاريعها أمام الثقافات الواردة والإمساك بتلابيب المظاهر السطحية على حساب الضمائر والمعاملات، جعل منا مسخاً قبيحاً. سابعاً: تفنُّن البعض فى تسلق السلم الاجتماعى والتشبُّث بهوامش الرئاسة، طمعاً فى منفعة هنا أو مصلحة هناك، أمر أرجح أن يكون مفهوماً لدى الرئيس. لكن تكمن مشكلة فى أن البعض من هؤلاء لديه القدرة على إقناع قطاعات من المصريين بأنه «من أصدق أصدقاء» الرئيس أو «أقرب المقربين» له. ثامناً: قطاع من مؤيدى الرئيس وداعميه يجد صعوبة فى فهم بعض الأمور، مثل اختيارات وزراء أو تجميد ضرائب أو تأجيل إفراجات. تاسعاً: تحمل الرئيس عته الجماعات وسفه المجموعات وأكاذيب المضللين، قدوة لم تفهمها قواعد إعلامية عدة، فأسهبت فى الشرشحة، وأمعنت فى الهرطقة. عاشراً وليس آخراً: القطاع الأكبر من المصريين يؤمن تماماً أن الرئيس السيسى أنقذ مصر، وأنا منهم.