هل المسيحيون كفار؟ يتصور البعض أنه السؤال الذى إن سُئله واحد من الإسلاميين فإنه يضعه فى حرج شديد، وأن الإجابة لن تكون لصالحه فى كل الأحوال، سواء أجاب بشكل مباشر أو غير مباشر أو امتنع عن الإجابة. وإجابتى عن السؤال: نعم المسيحيون كفار.. وأزيد فأقول: بل كلنا كفار! ثنائية الإيمان والكفر موجودة عند الجميع، والإيمان بعقيدة ما معناه الكفر بنقيضها، فإذا كنتُ مؤمناً بالإله الخالق فأنا كافر بالإلحاد والوجودية، وإذا آمنت بالإله الواحد فأنا كافر بتعدد الآلهة، وإذا آمنت بكتاب من عند الله فأنا كافر بما يناقض ما فى هذا الكتاب. ويرتبط بالإيمانِ الاتباعُ؛ فمن يؤمن بعقيدة لا يعمل بخلافها، ومن يؤمن بكتاب يلتزم بما فيه، ومن يؤمن برسول يتبع تعاليمه. وحين بعث الله محمداً، صلى الله عليه وسلم، برسالة جديدة كان هناك من المسيحيين أو النصارى من لم يؤمن بالرسالة الجديدة وكفر بها. فإذا أكد الإسلام أن الله إله واحد لم يلد ولم يولد، وأن المسيح عليه السلام رسول الله وأنه بشر من البشر، وأنه لم يصلب وإنما رفعه الله إليه، ثم لم يؤمن المسيحيون أو النصارى بذلك، فماذا سيقال عنهم؟ من الطبيعى أن يقال إنهم كفار، غير أن الله تعالى ميز اليهود والنصارى عن المشركين والملحدين فسماهم أهل الكتاب لأنهم فى الأصل أصحاب كتب سماوية. وفى المقابل.. فإن المسلمين كفار فى نظر المسيحيين لأنهم لا يؤمنون بصلب المسيح عليه السلام ولا بعقيدة التثليث ولا باقى عقيدة المسيحيين ولا يمارسون عباداتهم وشعائرهم ولا يلتزمون بتعليمات كهنتهم. كما أن المسيحيين يكفّرون المسلمين ولا يؤمنون بنبوة محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا برسالته ولا بالقرآن، ولو آمنوا لتحولوا للإسلام. فإذا تجاور المسلمون وغيرهم فى بلد واحد، فكيف تكون العلاقة بين شركاء الوطن؟ ليس هناك تلازم بين الكفر من جانب، والعداوة وإعلان الحرب أو الاضطهاد أو ضياع الحقوق من جانب آخر؛ لأن الأصل أن يعيش الناس فى سلام، كما أن إثارة العصبية تعمى الأبصار عن إدراك الحقيقة (يعمد الضعفاء أحياناً إلى إثارة العصبية الدينية لحماية الصف الداخلى)، ويحكمنا فى ذلك قوله تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (سورة الممتحنة). قال القرطبى: هذه الآية رخصة من الله تعالى فى صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم، ونقل عن ابن العربى: «وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» أى: تعطونهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة، وليس يريد به من العدل؛ فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل. وقال الطبرى: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم. إن الله عز وجل عمّ جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضا دون بعض.