فى بلدنا «دواعش».. ذلك ما فوجئت به المملكة العربية السعودية بعد تفجير القطيف الذى أودى بحياة أكثر من 20 وتسبب فى إصابة أكثر من 100 شخص من شيعة المنطقة الشرقية بالمملكة. «داعش» كظاهرة تخضع للقانون العلمى الذى يقول «المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم». بمعنى أن «الدعوشة» بما تعنيه من حمل للسلاح فى مواجهة الخصوم تحت راية دينية أو عقائدية معينة ظاهرة قائمة فى حياة البشر، وهى تطفو وتظهر على سطح الأحداث كلما توافرت السياقات التى تساعدها على ذلك، إنها أشبه بالجنّى فى حكايات ألف ليلة وليلة، الذى يظهر مقهقهاً إذا تمكن أحد من فك طلاسمه وحل رموزه، لينطلق بعد ذلك مدمراً البلاد ومزلزلاً العباد. خرج الجنّى «الداعشى» من قمقمه فى المملكة العربية السعودية بعد أسابيع معدودة من انطلاق ما يسمى «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة لتأديب الحوثيين الشيعة فى اليمن، بعد أن تهيأ المناخ واكتملت شروط ظهوره، وأهمها الغمز واللمز فى عقيدة الشيعة، والأحاديث الهامسة والصريحة فى فساد عقيدتهم. أستطيع أن أتفهّم أننا كأهل سنة وجماعة لنا تحفظاتنا على بعض الأفكار والمفاهيم الشيعية، لكن ذلك لا ينفى عن الشيعة أنهم يصلون صلاتنا ويقتبلون قبلتنا ويصومون شهرنا ويحجون بيتنا، وإذا كانت العلة فى الأفكار والمفاهيم العجيبة فنحن لدينا أيضاً ما يكفينا، مما يمكن لمن يتمذهبون بمذهب غير مذهبنا أن يعيبوها علينا. أتصور أن عقلاء الأمة من الطرفين يستوعبون ما أقول، لكن العقل يبدأ فى التراجع عندما يحاول صناع القرار التلحف بالدين من أجل تمرير قرارات سياسية أو عسكرية، هنا تكون الكارثة محققة، فإذا رخّصت دولة من الدول لنفسها مهاجمة جماعة أو حزب فى دولة أخرى تحت شعارات دينية فعليها أن تستوعب سقوط بعض مواطنيها فى نفس الفخ الذى سقطت فيه، لينطلقوا هم الآخرون إلى محاربة من يختلفون معهم مذهبياً أو عقائدياً. فعتاب المواطن الذى يرقص رقصة دولته أو حكومته أمر يفتقر إلى الوجاهة العقلية والمنطقية! «دواعش» المملكة وجدوا الحضانة الجيدة والمبررات المقنعة فى سياق خطاب إعلامى ودينى لا يتلكأ فى منح المبررات المقبولة وغير المقبولة لصناع القرار السياسى. وعلينا ألا ننسى أن تلك ليست المرة الأولى التى تتدخل فيها المملكة لتأديب جماعات شيعية، فقبل اليمن سبق أن تدخلت المملكة العربية السعودية فى البحرين من أجل تأديب جماعات شيعية ثارت ضد نظام الحكم هناك. كان ذلك فى شهر مارس من العام 2011، فهل من المستبعد بعد ذلك أن «يتدعوش» عدد من المواطنين، ويمارسوا هم الآخرون دورهم فى تأديب الشيعة الذين يعيشون بينهم؟. مشكلة الأنظمة العربية أنها «حرّيفة» فى خلق المشكلات، ثم الشكوى منها، بمعنى أنها أنظمة مدمنة للشكوى من مشكلات هى التى صنعتها بأيديها، ومن كبرى هذه المشكلات «داعش» و«الدواعش». إننى ممن يؤمنون بأن «الدعوشة» حالة لها جانبان، أولهما تنظيمى، وهو قابل للقضاء عليه، وثانيهما جانب «الفكرة» التى ينطبق عليها قانون لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، وهى من الزاوية الثانية قادرة على الوجود والتعايش إذا وجدت الظروف المواتية لها، تماماً مثل الظروف التى تسود العديد من البلاد العربية حالياً.. والكلام إلك يا صاحب البيت!