بعد ربع قرن زواج مع الشغل والنفاذ يكتشف الآباء أنهم أكلوا ويأكلون ما لا يأكل الأبناء، فوجبات البيوت بالنسبة للأبناء إنما هى ثانوية بعد التيك أواى والوجبات التى نكتشف بعد يوم وآخر أنها لحوم حمير وكلاب وغيرها، ورغم كل هذا تستمر رحلة وجبات الأبناء التى يرفضها الآباء ولكن دون جدوى، ويلبس الأبناء ما لا يرتضيه لهم الآباء ولكن دون طائل، ويقرأ الأبناء غثاء الكتابة، مما لا يسمن ولا يغنى من فقر فكرى وثقافى، ويشاهد الأبناء عبر الوسائط الجديدة ما لا يبنى طوبة فى بناء صرح الشباب الفكرى والثقافى والعلمى وكأن الحروف لم يكتشفها السابقون إلا للكتابة عن لاعبى الكرة والراقصات والجريمة وقراءة برج الحظ، لقد أصبح الدم فى عروق الجيل كالماء، لذا فإنه كما يقولون هدره لا يضر وقد ينفع، إذ من الشباب من يستطيع الشيطان أن يقضى فى قلبه كل أوقات فراغه، ينسى الجميع أن الأب يجمع هموم رؤوس أبنائه فى رأس واحد هو رأسه، ويقولون إن من الذنوب ذنوباً لا تُكَفَّرُها الصلاة ولا الصيام، ويُكَفَّرُها الغَمُّ بالعيال. بعد ربع قرن من الزواج تنسى الزوجة نفسها لتطلب من ابنها الارتباط بعروسة تحمل مواصفات غير تلك التى ارتبط زوجها بها ولها، عروسة بمواصفات ما كانت يوم ابتلى زوجها بضرورة الزواج، عروسة لا تمت للزوجة بصلة، عروسة رسمتها عيون الزوجة ومع كل هذا سرعان ما إن تنقلب عليها «على المواصفات» وتكفر بها وتندد بها أينما حلت ومتى حلت، وربما تدَّعى أنها بريئة من كل هذا الذى باركته وحاربت من أجله. بعد ما يزيد على ربع قرن زواج نكتشف أننا عشنا طفولة احترمت كل من سبقها فى رحلة العمر ولو بشهر، وعشنا شباباً كان امتداداً طبيعياً لأجيال سبقته أعطته وأخذ شاكراً وأعطى دون مَنًّ أو أذى وأعطى رداً واعترافاً بالجميل، امتد بنا العمر لنَهَبَ الدنيا أطفالاً وكأنهم ليسوا من أصلابنا وشباباً وكأنه خلق لإنكار الجميل، ربما أخذوا من أمهاتهم فقط «إنكار العشير وأحالوه إلى إنكار الجميل»، أمهاتهم أى زوجاتنا اللائى لهن حواس ولكنها تعمل بالحد الأدنى من الكفاءة حتى نشعر أحياناً أن الصلة الرحيمة التى كانت تربطنا بهن قد ضمها القبر، لِمَ لا والنساء خُلِقْن لامتحان جنون الرجال وخُلِق الرجال لامتحان عقول النساء، هذا وكثيراً ما تشاء السماء أن يصرف الرجل، أى الزوج، يصرف العمر مع زوجة خُلِقَ لغيرها، وتظل الزوجة مؤمنة بأنها كدخان الشواء الذى يتصاعد فتعوى بطون المحرومين، النساء نصف البشر، والحافظ لبقاء الجنس على الرغم من أنه يكفى للألف منهن مُلَقَّحٌ واحدٌ ويتفرغ بقية الذكور لمجابهة المخاطر، حتى أن بعض الأخلاقيين سَمَّى النساء بالنصف المُضِرَّ.