أشرف شرف يكتب: ممنوع من العرض بأمر العاشر من رمضان

قبل حرب أكتوبر المجيدة، كانت خريطة الإذاعة والتليفزيون عامرة بالعديد من الأعمال الرمضانية لكبار النجوم، وأيضا بعض من الشباب، هذه الأعمال توقف عرضها في اليوم العاشر من إذاعتها تحديدا يوم العاشر من رمضان، الذي كان يوافق يوم السادس من أكتوبر لعام 1973، بسبب انصراف الناس لمتابعة أخبار النصر، وكذلك كل مواطن اعتبر نفسه جنديا حتى وإن لم يكن مشاركا في الحرب.
من أهم هذه الأعمال التي توقف عرضها يوم العاشر من رمضان عام 1393، الموافق السادس من أكتوبر لعام 1973، العمل الإذاعي الأول والأخير في حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وشاركه البطولة كل من الزعيم عادل إمام ونجلاء فتحي، عماد حمدي، أحمد مرعي، ماجدة الخطيب، سمير صبري، أشرف عبد الغفور، نظيم شعراوي، زوزو ماضي، وحمل اسم «أرجوك لا تفهمني بسرعة».
ولم يقتصر هذا المسلسل على التمثيل فقط، بل جمع العندليب والزعيم دويتو غنائى، حيث قاما باستعراض الطلبة، وقدم «حليم» أغنيات أخرى من تلحين محمد الموجى مثل أغنيتى «بحلم بيوم» و«ماشي الطريق».
وأحب العندليب هذا المسلسل الذي عرض في صيف 1974، بعد عرضه وتحقيقه نجاحا جماهيريا كبيرا، وتردد وقتها قرر تحويله لفيلم سينمائي كعادة الأعمال الإذاعية الناجحة في تلك الفترة، ومن الأسرار والكواليس التي لا يعرفها الكثير أن النجمة نيللى كانت كانت المرشحة الأولي لهذا المسلسل لكنها اعتذرت فجاءت بدلا منها النجمة نجلاء فتحي.
والأعمال الإذاعية التي أوقفتها حرب السادس من أكتوبر لعام 1973 بعد 9 أيام فقط من العرض مسلسل جمع بين فؤاد المهندس وشويكار حمل اسم «دنيا بنت دنيا» من تأليف الكاتب أحمد بهجت في أول تجاربه لكتابة الدراما الإذاعية، وشاركهما البطولة الوجه الجديد ولأول مرة الفنان هاني شاكر، زيزي مصطفي، إبراهيم سعفان، نظيم شعراوي، وكتب الأغاني الشاعر مجدي نجيب وألحان كمال الطويل ومحمد الموجي.
وفي حوار سابق لي مع الإعلامي الكبير عمر بطيشة، قال إنه في حرب السادس من أكتوبر كان وقتها يلقب بالمذيع الشاب، تولى الإشراف على فوازير رمضان لهذا العام، بدلاً من الإعلامية القديرة آمال فهمى، بعد أن عوقبت بإيقاف برامجها فى الإذاعة المصرية، سواء فوازير رمضان أو ع الناصية، بسبب توجيهها نقداً لرئيس وزراء مصر وقتها بأنه استغل وظيفته ل«سفلتة» طريق يوصل لقريته، واعتبره البعض أنه كان صراعاً سياسياً بين مجموعة على صبرى ومجموعة المشير عبدالحكيم عامر، لذا اعتبره «صبري» تحريضاً من «عامر» لمهاجمة رئيس الوزراء، وأنها تم استخدامها في هذا الصراع، ومن ثم تم استبعادها من برنامجيها وأسندا لى.
وأوضح «بطيشة» أنه فى العام الأول له كمسئول عن الفوازير أحضر سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة لتشاركه تقديم تلك الفوازير، التى كتبها الشاعر الكبير صلاح جاهين، وكانت عن «عفش العروسة»، كل يوم فزورة عن قطع الأثاث «النجفة - النيش- الكومدينو - السجاجيد»، تلك الفوازير نجحت نجاحاً كبيراً، لذا فى عام 1973 اتفقت مع السيدة شادية لمشاركتى تقديم الفوازير، التى كتبها الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد، وكانت عن شخصيات مثل «محمود مختار - طه حسين - سعد زغلول».
الغريب أنه لم يذع من تلك الفوازير سوى 9 حلقات فقط، لأن فى يوم عرض الحلقة العاشرة قامت حرب أكتوبر العظيمة، وجرى إيقاف كل البرامج وتحولت لمارشات عسكرية وأغانٍ وطنية.
أكمل بطيشة كلامه معي قائلا: أذكر أن الفزورة العاشرة التى لم تذع كانت عن الكابتن لطيف، لأن الفنانة الكبيرة شادية كانت من عشاقه، وهى التى طلبت إننا نعمل فزورة عنه.أضاف لي بطيشة قائلا: أدركت حب شادية للكابتن لطيف حينما قدمت حلقة برنامج الميكروفون مع شادية، وقررت هى وزوجها الفنان صلاح ذو الفقار استضافة الكابتن لطيف، وبالفعل ذهبت معهما للكابتن لطيف فى نادى الزمالك، وحينما جاءت فكرة تقديمها الفوازير طلبت أن تكون الحلقة عن كابتن لطيف، وأذكر المقدمة التى كتبها الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد والتي تقول «كابتن.. كابتن.. صوت متميز.. جوه الملعب واخد حيز.. كابتن.. كابتن صوت متميز».
لم ينس بطيشة اللحظة التي ذهب فيها مبى ماسبيرو قائلا: في تمام الساعة الواحدة والنصف كنت بأتطمن على شريط الصوت، فوجئت بالإعلامى الكبير صبرى سلامة نازل من عند وزير الإعلام عبدالقادر حاتم، ويمسك بيده بياناً سيذيعه على الهواء، قلنا له «إيه ده؟»، فقال: «تعالوا.. تعالوا اقعدوا فى الاستوديو واسمعوا.. هناك مفاجأة هائلة»، وبالفعل فى تمام الساعة الثانية ظهراً قال: «بسم الله الرحمن الرحيم.. هنا القاهرة إليكم البيان التالي»، ثم قال بيان العبور الشهير.ويكمل سرد ما جرى بعد إذاعة البيان قائلاً: صعدت لمكتبى، واتصلت بشادية قلت لها "افتحى الراديو يا شوشو.. إحنا عبرنا القناة"، فزغردت فى التليفون، وقالت لي: «أنا عايزة أعمل أغنية حلوة بالمناسبة دي»، وفى اليوم التالى نشرت جريدة الأهرام العنوان الرئيسى للصفحة الأولى لها ب"عبرنا الهزيمة" عن مقال كتبه الكاتب الكبير توفيق الحكيم، فما كان من الملحن العبقرى بليغ حمدى سوى أن أعجب بالعنوان، وحوله لأغنية صاغها عبدالرحيم منصور، وغنت تلك الأغنية شادية، وأذكر أنهم كانوا يعملون البروفة على سلم ستديو 46 بماسبيرو..
هذه الأعمال ليست فقط التي توفقت بعد إذاعة بيان الحرب، لكن هناك العديد من الأعمال الأخرى سواء كانت إذاعية أو برامجية، لكن الجميع وقتها كان في حالة سعادة كبيرة متناسين ما قدموا من أعمال، محتفين بالنصر ودائما العزة لمصر.