رصدت صحيفة "رأى اليوم" العربية، تداعيات اقتصادية لعمليات "عاصفة الحزم" التي شنتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع 9 دول أخرى على الحوثيين باليمن، على جميع المناطق خاصة اليمن ودول الخليج ومصر وتركيا. نزيف اليمن: يعد الاقتصاد اليمني الخاسر الأكبر من هذه الحرب، إذ يعد من الاقتصاديات الأقل نموًا، ويعاني من حالة فقر تغطي أكثر من 50 % من سكانه، وسيؤدي الحرب إلى تعميق حالة الفقر باليمن، كما ستزيد معدلات البطالة، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم، في ظل توقف حركة التجارة الخارجية، ومن المنتظر أن تشهد العملة اليمنية مزيدًا من الانخفاض بقيمة عملتها المحلية، بعد وقوع الحرب من جهة، وتهديد المنظمات الدولية بوقف المساعدات باليمن، حيث أوقف البنك الدولي الأسبوع الماضي عمل بعثته باليمن. دوامة النفط: ألقت الأزمة بظلالها على سوق النفط العالمية، ليرتفع سعر النفط نحو 4%، واختفت الأسباب الأخرى التي كانت تذكر من قبل كمبرر لانخفاض أسعار النفط، وعلى رأسها تخمة المعروض بالسوق الدولية، ومن المتوقع أن تكون هذه الطفرة الأولية في أسعار النفط بالسوق العالمية ناتجة عن توقعات بتأثر الإمدادات السعودية سلبيًا باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم بحجم إنتاج يومي يصل إلى 10 مليارات برميل. مضيق باب المندب: تصاعد الحرب وتعدد أطرافها، قد يؤدي إلى توجه الحوثيين إلى إغلاق مضيق باب المندب الذي يطل عليه اليمن، وهو المدخل الرئيسي لأغلب النفط الخليجي المتجه إلى الشمال، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي النفط المتجه إلى أوروبا وأمريكا شمالا وإلى أسيا جنوبا والذي يمر عبر مضيق باب المندب يتجاوز 3 ملايين برميل يوميًا. خسائر خليجية إيرانية: الحرب لها تكلفتها الاقتصادية المباشرة المتمثلة في الخسائر الناتجة في المعدات والأرواح، وكذلك استنزاف الموارد المالية التي تكونت لدى الطرفين بفضل العوائد النفطية، وإذا كانت السعودية لديها رصيد يمكن التعويل عليه من احتياطيات النقد الأجنبي يقدر بنحو 750 مليار دولار، فإن تداعيات أزمة انهيار أسعار النفط قد أثرت على هذا الاحتياطي بشكل ملموس قارب من سحب المملكة لنحو 100 مليار منذ أكتوبر 2014 وحتى الآن. معنى دخول دول الخليج وبخاصة السعودية في حرب طويلة، فإن ذلك سيؤدي لاستنزاف هذا الاحتياطي، بل قد يؤدي إلى تسييل بعض الأصول السعودية بالخارج. وبالنسبة لإيران فإن رصيدها من احتياطيات النقد الأجنبي يقدر بنحو 70 مليار دولار، ودخولها في حرب لا يعني سوى تبديد هذا الاحتياطي في فترة قصيرة، أما الضرر الأكبر من دخول إيران في أتون الحرب فهو فقدانها للمزايا المنتظرة من نجاح مفاوضتها مع الاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي. هناك توقعات بتحسن الاقتصاد الإيراني بعد رفع العقوبات المنتظر بعد الإعلان عن نتائج المفاوضات بعد مايو المقبل، حيث تعاني إيران من ارتفاع لمعدلات التضخم اقتربت من 20%، ومعدلات للبطالة تزيد عن 20%، فضلًا عما ترتب عن هذا الأداء من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة، نظرًا لطول أمد هذه المشكلات دون تحسين يذكر. نشوب الحرب بالمنطقة، وإن لم تتسع رقعتها بعد إلى نطاق كبير، فإن ذلك يعني زيادة الأنفاق على التسليح الذي قدر في عام 2014 بنحو 170 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإن كانت السعودية والإمارات تتصدران حجم الإنفاق على التسليح بين دول المنطقة، فالسعودية وحدها بلغ حجم الإنفاق على التسلح نحو 57 مليار دولار عام 2014، وفي ظل استمرار الحرب سيزيد هذا المبلغ بشكل ملحوظ، إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أن إيران قد تكون أحسن حظًا في هذا المضمار نظرًا لقيامها بإنتاج جزء لا يستهان به من تسليحها. مصر ستكون من أكثر الدول تضررًا من هذا الوصف، نظرًا لمعاناتها الداخلية في شأن الاستقرار السياسي والأمني، ويضاف إلى ذلك العبء الجديد بتصنيف المنطقة من حي عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما يعني زيادة معاناة مصر في مجالي الاستثمارات الأجنبية والسياحة. مصالح مصرية تركية: ثمة مصالح اقتصادية ستستفيد منها مصر وتركيا من خلال هذه الحرب، سواء طال أمد هذه الحرب أم قصر، ففي الأجل القصير ستستفيد حركة السياحة في كل من مصر وتركيا، من خلال توجه الخليجيين للاستقرار بهذين البلدين، كما ينتظر أن تشهد سوق العقارات بمصر وتركيا انتعاشًا خلال الفترة القادمة إما من خلال استئجار أو تملك العقارات من قبل الخليجيين. تعد هذه الخطوة بالنسبة لمصر انعاشًا لقطاع السياحة الذي لا يظل يعاني من تراجع على مدار السنوات الأربع الماضية، أما تركيا فسيكون ذلك بالنسبة لها مجرد زيادة في حركة موسم السياحة الصيفي، وسيتوقف ذلك النشاط بقطاعي السياحة والعقارات على مدى الفترة التي ستستغرقها الحرب في اليمن. تركيا ستكون أحسن حظًا من مصر في استقدام السياحة الخليجي الناتجة عن عدم الاستقرار وتطورات الحرب، بسبب عدم وصول مصر إلى حالة من الاستقرار السياسي والأمني. ستكون حركة السياحة الخليجية المتجهة لتركيا ومصر نتيجة الأحداث أكثر نشاطًا في شهور الصيف، إذا ما امتدت الأزمة لهذه الفترة، وستكون الحركة محدودة خلال هذه الأيام بسبب العام الدراسي، حيث ستواجه الأسر الخليجية مشكلة عدم حال إشكالية استكمال العام الدراسي في مصر أو تركيا أثناء أو قرب فترة العام الدراسي الحالي. ستسفيد مصر من خلال حصولها على عائد نظير مشاركة قواتها في الحملة الحربية على الحوثيين باليمن، ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي تمارس فيها مصر هذا السلوك، فقد أقدمت على هذه الخطوة في مطلع التسعينيات إبان أزمة الخليج الثانية، وجنت مصر ثمار ذلك من خلال تخفيض 50% من ديونها الخارجية في إطار اتفاق نادي باريس، وكذلك تنازل أمريكا والخليج عن ديون تقدر بنحو 13 مليار دولار. قد تكون مشاركة مصر للتحالف الخليجي في الحرب على الحوثيين بمثابة مخرج من أزمتها التمويلية، وسيكون الثمن الاقتصادي لمصر في هذه الحرب متمثل في عدة صور، منها أن تتنازل دول الخليج عن ودائعها بالبنك المركزي والتي تقترب من نحو 12 مليار دولار، أو يتم ضخ أموال جديدة وسيتوقف ذلك على طبيعة المساومة والحصول على مقابل مجزي من قبل الإدارة المصرية.