بدأ العرض السنوى، بانوراما الذبح، حيث عشرات الألوف من محلات الجزارة تحولت إلى دور عرض. فى جزارة أولاد الربّاط، اجتمع عشرات المارة ليشاهدوا الملحمة السنوية، حيث 10 جزارين انهمكوا فى ذبح الأضاحى، من خرفان وثيران، وكونوا خلية عمل نشطة، فهذا يتكئ على الذبيحة، وثانٍ يفض حياتها، وثالث يسلخ، ورابع يكسح الدم بعيداً إلى الطريق، وجماعة تشق البطون، وآخرون يقطعون اللحم أو يزنوه على ميزان بالداخل. استعان المحل بالمقهى المجاور لجلب «كراسى» لجلوس أصحاب الذبائح، وكأنهم فى سينما العيد، بينما عشرات الأطفال فى ثياب العيد توقفوا أمام مشهد الذبح شارحين لبعضهم ما الذى يقوم به الجزار بالضبط، فضلاً عن أتوبيسات النقل العام التى تعمدت السير ببطء، ليتسنى للركاب مشاهدة ما يحدث، وسيارات «ملاكى» لا حصر لها دهست الدم الذى كسحه أحد العاملين إلى منتصف الطريق، وسط دعوات الغلابة لسائقى تلك السيارات بأن يكون دهس الدم بشرى خير، لأن يذبحوا ويضحوا فى العام القادم. اعتمد صاحب محل الجزارة، الحاج مجدى الربّاط، على 10 جزارين أو أكثر بقليل، لذبح عشرات الأضاحى، وينتقل الرجل مع إخوته بين العمال متابعين لأعمال الذبح، أو يذبحون بعضها. يقول الحاج مجدى: «أسعار اللحوم أعلى عن كل السنين السابقة، الثروة الحيوانية تمر بمشكلة بسبب نقص الرقابة؛ لأن كثيراً من الجزارين يذبحون مئات الإناث التى تلد أبقاراً، ولأن البلد يعانى من تراخٍ أمنى، لم يعد الأطباء البيطريون يقدرون على متابعة الذبح». وأمام المحل الصغير، الذى يتوسط حى السيدة زينب، بين مقام السيدة وموقف أتوبيس النقل العام، جلس أصحاب الأضاحى يباشرون عمليات الذبح، وتلطيخ الأيادى بشىء من الدم، جذب أحد الجزارين الأضحية الأولى، ثور، أمام المحل، حيث أبدى الثور شيئاً من العناد، كأنه يعلم مصيره، فيما أوثق رجل أطرافه بحبل عريض من خيش، وما إن أحكم القبض على أرجل الثور الأربع حتى أمسك شقيق الحاج مجدى بإحدى أرجله، جاذباً إياها لأعلى بعزم، واجتمع 4 جزارين على الثور، فاتكأ أولهم على بطنه، وأمسك الثانى والثالث أرجله، فى حين باغته الرابع الذى ثبّتَ رأسه إلى الأرض بسكينه الحاد ليحركها سريعاً يساراً ويميناً فى عمق رقبة الثور المقيد، ثم ينفض الرجال عن الثور، حتى تخرج عنه الروح مع الدم. لم ينم جزارو محل «أولاد الربّاط» إلا سويعات قليلة، وتيرة العمل كانت أبطأ قبل صلاة، قبل الموعد المحدد لذبح الأضاحى، انتهت صلاة العيد، وبدأت ساعات الذبح العظيم. الحاج مجدى دخل المهنة منذ ما يزيد على ال35 سنة، حيث ورثها عن أبيه الذى ورثها هو الآخر عن أبيه، ويدير محل الجزارة، الذى بدأ نشاطه فى حى السيدة زينب منذ عام 1960، منذ أن كان كيلو اللحم بعدة قروش. يقول الجزار الأكبر بالمحل: «الآن ارتفعت الأسعار كثيراً، من كان يصدق أن كيلو الضأن قد يصل فى يوم ما إلى 35 جنيهاً للكيلو (الصاحي)، ومن 60 إلى 80 جنيهاً للكيلو (المذبوح)، وليست لحوم الضأن وحدها التى ازداد سعرها، كل أنواع اللحوم زادت بشكل مبالغ فيه». أثناء الذبح، تتعالى الصيحات «حلال الله أكبر»، وبعد طقس ذكر الله، كى يصبح الذبح على الشريعة الإسلامية، تصدر الذبيحة فحيحاً لدقائق، ثم تتوقف الأوعية الدموية عن قذف الدم، وقبل أن يبرد الدم، يلطخ بعضهم الأيدى لطبع الكفوف الحمراء على جلابيب الجزارة البيضاء، وعلى حوائط الدكان، أو على أحد جانبى سيارة صاحب الأضحية. دقائق أخرى يتخثر الدم، ليكسحه أحد الجزارين لمنتصف الطريق، بعدما يتجه 3 رجال للذبيحة، يمسك أحدهم رأسها نصف المفصول، وثانيهما يمسك ما يستطيع إمساكه من أقدامه، والثالث يتشبث بذيلها. فى البداية يقصف أحد الجزارين أقدام الذبيحة، يقطع أوتار القدم، ويحركها بقوة بالغة عكس اتجاه حركتها الطبيعية فتنكسر، ثم يعمد إليها بسكين قاطع، فيفصل أرجلها، ثم يسلخ الذبيحة ممرراً سكينه فى البرزخ الدهنى بين اللحم والجلد، ويكمل فصل الرأس ثم يعلق الذبيحة لإخراج أحشائها. يحرك الحاج مجدى الجنزير الحديدى الذى يتدلى من «جنش» معلق خارج المحل، يجاهد 5 جزارين، بعد ضبط الجنش على ارتفاع مناسب، كى يرفعوا الذبيحة، لشق البطن من أعلى لأسفل، ثم يبدأ إخراج محتوياته، حتى يصير البطن من الداخل كتجويف فارغ، فيبدأ التقطيع. ملحمة الذبح، فى العيد، تحتاج إلى أعداد أكبر من الجزارين، يوضح الجزار: «فى العيد وحده أعتمد على أكثر من 10 جزارين، وهذا هو الحال فى كل محلات الجزارة التى تذبح نفس عدد الرؤوس الحيوانية، إلا أن الأزمات التى تعصر السوق، وارتفاع الأسعار التى بلغت 2000 جنيه لأخف الخرفان، اضطر الجزارون للاعتماد على أعداد أقل، ربنا يصلح الأحوال». انتقل السكين بين الرقاب، أكثر من ذبيحة «يوضبها» الجزارون فى وقت واحد، حتى يبرد السكين وتقل حدتها، فيسنها الجزارون، ثم تعاد الكرة، لينهمك الرجال من جديد، وينظمون فيما بينهم ورديات لتناول الغداء، حتى لا يتوقف العمل كثيراً.