قررت أن أبحر بعيداً عن مهرجان المائة يوم الشهير وكرنفال العبور فى صورته الإسلامية الجديدة، لا ألقى بشباكى فى بحر خالٍ من الملوثات الإعلامية والسياسية بحثاً عن درة تستحق الكتابة عنها، وهدانى بحثى للكتابة عن الشاعر الجميل عبدالجليل الشرنوبى، وهو لمن لا يعلم كان رئيساً لتحرير موقع «إخوان أون لاين»، قبلما ينشق عن الجماعة الحاكمة، ولكن سؤالاً ظل يحيرنى وهو: كيف كان هذا الشاعر المرهف جزءاً من سبيكة «الإخوان»، الذين يقبلون يد المرشد ويلبسون الحذاء لقدمه المباركة، وبعد تفكير اهتديت إلى أنه خلف صرامة الإخوان وسمعهم وطاعتهم لا بد من وجود بشر، ولابد أن من بينهم فنانين وأدباء وشعراء يتجولون فى حدائق الخيال ويهيمون فى مروجه ويحلقون في جنانه، ربما كانوا مغمورين وربما كانوا يعانون من شيطنة المثقفين العلمانيين، فتلبستنى الرغبة فى العدل والإنصاف وقلت كيف تحكم بدون أن تعرف؟! وكيف تعرف بدون أن تبحث، فتوكلت على الله، وفتحت «جوجل»، ثم دلفت إلى «إخوان أون لاين»، وطرقت باب الثقافة والفنون فوجدت الأعمال الأدبية تتركز فى الشعر وحده، ورحت أبحث عن قصيدة أتفاعل معها فوجدت القصائد الغالبة: قصيدة تحت عنوان «النظر فى موضوع الكسب غير المشروع» وأخرى بعنوان: «إمام المسلمين أبوالحسن الندوى»، وثالثة «مرسى الرئيس»، ورابعة «مبروك لمصر»، و«سنختار مرسى»، و«أدِّ الأمانة»، وأن الشعر كما أعرفه ليس مستحباً عند الإخوان وقد يكون هذا هو سبب انشقاق الشرنوبى، ورجحت أن يكون عذرهم أنهم ربما فى معركة فاصلة لفتح مصر فركزوا طاقتهم الإبداعية فى هذه التراهات الشعرية، وبينما أستعد للانسحاب من الموقع لمحت عينى باباً اسمه «المضحكخانة»، ولما كنت أعتقد أن الضحك هو ثالث فعل إنسانى للإنسان، إذ إن الإنسان الأول بعد أكله وملء معدته وهو الفعل الأول داعب السيدة حرمه المصون، وهو الفعل الثانى، وعندما أزعجه الإنسان الثالث وهو ابنه الصغير أطاح به فوقع الصبى وبكى، فضحك الإنسان الأول من طريقة بكاء الثالث، ومن أجل هذا أعتقد أن الضحك أحد معالم البشرية ويظهر من خلاله تجليات شخصية الإنسان فيما إذا كان عنيفاً أم رقيقاً، ذكياً أو غبياً.. إلخ، المهم دلفت إلى المضحكخانة ووجدت باباً بعنوان طرائف مصرية، وانسياقاً وراء بديهية أن المصريين دمهم خفيف توكلت على الله وقرأت عدة مزح ألخص إحداها وهى تحكى عن مصرى فى الخليج دخل محلاً وطلب «سودانى» فنادى صاحب المحل أحد العمال وجاء الرجل وكان سودانى الجنسية، فأشار الرجل للمصرى بأن هذا ما طلبه، فشرح له المصرى أنه يريد «فول سودانى» وضحك الثلاثة المصرى والتاجر والعامل ولما أصابنى اليأس من إخوان أون لاين تجولت فى عدد من المواقع الإخوانية وجدت فيها حكماً ومواعظ وقصصاً أخلاقية وآيات مقدسة وسباباً وشتائم ودعاء للأحباء وعلى الأعداء بلا أى فكرة لامعة أو لمحة بارعة أو نظرة نافذة، أو حتى صوت متفرد، الجميع وجوه باهتة بلا شخصية مثلهم مثل قطع العساكر فى رقعة الشطرنج. أخيراً يقول عبدالجليل الشرنوبى: وال«لأ» لما تحتشد بيها الجموع تصير ثورة، والصورة لما بتترسم على الموضوع تكون شفرة، والكلمة ساعة تتكتب بحبر الجوع تكون كافرة، والغمة حينما ترتجف منها الضلوع تكون طفرة. الوجدان يا سادة جزء من الإنسان إذا قمعته وبترته واستبعدته فأنت صالح لكى تكون من الإخوان، أما عبدالجليل الشرنوبى فكان طفرة.