أبومصعب، وأبوحمزة، وأبوعمر، وأبوسليمان، وأخيراً أبودجانة، وهو اللقب الذى أطلقه الشاب محمود الغندور، الذى أعلن صديقه الداعشى المصرى «إسلام يكن» (أبوسلمة!) انضمامه إلى التنظيم مؤخراً. لا أريد أن أتوقف أمام الأسباب التى أدت إلى انضمام هذا الشباب إلى طابور الإرهاب الداعشى، وخير لذى العقل ألا يشغل نفسه بذلك، لأن من الواضح أن «الدعوشة» أصبحت حالة سائدة فى أوساط عديدة، بغض النظر عن ظروف الفقر والغنى، أو التدين وعدم التدين، أو الجلوس على مقاعد الحكم والانخراط فى صفوف المعارضة. إننى أريد أن أتوقف أمام الكنية أو الاسم الجديد الذى يشكل بوابة الدخول إلى تنظيم داعش. يميل «المتدعوشون» إلى اختيار أسماء تراثية تنتمى إلى عهد الصحابة الأوائل، أو بعبارة أدق عهد الراشدين الأربعة، بعد الانضمام للتنظيم، ويبدو أن ثمة شعوراً يداخلهم، بأن جزءاً من العودة إلى هذه الفترة، التى يرونها أكثر فترات التاريخ الإسلامى نصاعة ونقاء ومثالية، يرتبط بخلع هذه الأسماء على أنفسهم، و«الدعوشة» من هذا المنظور تعتبر حالة قديمة، على الأقل داخل مصر، فمنذ فترة طويلة وهناك إقبال على استدعاء أسماء من التراث وتسمية الأبناء والبنات بها، وينظر البعض إلى هذا الأمر على أنه مظهر من مظاهر التدين، فتسمى الابنة بعائشة، أو خديجة، أو زينب، أو فاطمة، أو أسماء، أو شيماء، ويسمى الابن حمزة، أو زياد، أو عمر، أو على، أو بكر أو مصعب، أو تطلق عليه أحد أسماء النبى صلى الله عليه وسلم، أو اسماً من الأسماء التى تربطه بالعبودية لله. الإنسان حر فى تسمية أولاده بالطبع، والأبناء والبنات أحرار فى أن يطلقوا على أنفسهم ما يشاءون من أسماء، إذا لم يعجبهم اسمهم الأصيل، لكن من السذاجة أن يربط الإنسان بين الاسم وفكرة التدين، لأن حمزة، وعمر، وعلى، وأبوبكر، وعمار، وأبودجانة، وعمرو كانت أسماؤهم كذلك أيام عبدوا الأصنام، وظلت كذلك بعد أن دخلوا الإسلام، وسذاجة أكبر أن يظن إنسان أن بإمكانه استدعاء عصر معين بمجرد التشبه بأسماء رجاله ونسائه. عجلة التاريخ تسير دائماً للأمام وليس إلى الخلف، وتجميد التاريخ فى فترة زمنية معينة والسكن فيها وعدم الخروج منها نوع من التغفيل العقلى، واللافت أن هذه النظرة الارتجاعية للتاريخ تتناقض مع ما يقرره القرآن الكريم من حقيقة التغيير والتحول فى الحياة. فى سورة الرحمن آية كريمة تقول: «كل يوم هو فى شأن»، فالله تعالى يرفع أقواماً ويضع آخرين، ويبدل أحوالاً ويبدل ظروفاً، يحدث ذلك كل يوم بنص القرآن، والمعنى أن أيام البشر لا تتشابه، وأن تسلط الماضى على الحاضر، أو سيطرة التاريخ على العقل البشرى يعنى التصادم مع تلك الحقيقة القرآنية. التاريخ صنعه البشر ونقله إلينا فى أوقات متأخرة عن الأحداث بشر آخرون كانت لهم أهواء وتحيزات ومخاوف وطموحات، وهم يسطرون الحكايات التى تقرأها فيما سطروه من كتب، ولو أنك أحطت بالملابسات التى عاش فيها المؤرخون لترددت كثيراً قبل أن تصدق حكاياتهم، ولفهمت أنها تمسك برأسك ولا تمنحك أية فرصة لنقدها أو التفكير فيها، تماماً مثلما يمسك «أبوجلمبو» الفريسة بأرجله!.