لو چيامين.. بدأت فكرة روايته «عواء الذئب» عام 1971.. وظلت حبيسة عقله لسنوات طويلة، انتقل فيها من منزل إلى آخر ومن بلدة إلى أخرى ومن عمل إلى عمل، حتى بدأت الرواية تنساب إلى قلمه رويداً رويداً إلى أن سلّم النسخة النهائية من الرواية بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً! حصلت الرواية على أفضل الكتب مبيعاً فى العالم وحصل على جائزة «مان» للأدب الصينى فى عام 2007.. العجيب أنه كتب هذه الرواية تحت اسم مستعار وهو چيانج رونج.. والأعجب أنه ظل يرفض التقاط أى صور له أو لقاءات صحفية له طيلة هذه المدة! نجحت الرواية نجاحاً ساحقاً على الرغم من إخفاء اسم وشخصية مؤلفها.. حتى إن بعض المؤلفين المغمورين استغلوا نجاح الرواية وعدم معرفة الناس بالشخصية الحقيقية، وكتبوا روايات منتحلين اسمه المستعار.. مما دفعه أخيراً لإنهاء هذا الغموض والكشف عن شخصيته للناس! من حين إلى آخر يطل على العالم نموذج يهدم معايير النجاح الفنى المعاصرة التى يتشدق بها أهل الفن وصنّاعه وتجّاره، والتى تنحصر فى المظهر والتلميع والنجومية الفارغة وليذهب الجوهر والمحتوى إلى الجحيم. وحكاية هذا الأديب -وإن كان سبب إخفاء شخصيته هو خوفه من بطش النظام الذى كان يعارضه- تؤكد أن الفن ليس وسيلة لتحقيق الشهرة السريعة، ولا هو أداة لإشباع الأهواء النفسية من حب المنظرة والتصنع، وليس مجالا يفك فيه الفنان عقد النقص المركبة عنده بأن يكون محط أنظار الناس ومحور اهتمامهم. كما أن الفن ليس خيلاً فى برامج المسابقات والتصويت عبر الرسائل والمساحات الإعلانية، ولا يمكن تقييمه أصلاً فى لجان الاستماع والرقابة، ولا هو ستايليست وميك أب وعمليات تجميل ورشاقة، ولا سلاسل وسِبح على رقبة الدون چوان، ولا صور فى غرف نوم المراهقين ولا أوتوجرافات وإمضاءات على مناديل المعجبين والمعجبات. الفن هو الحالة الإنسانية التى تنطلق من قلب الفنان لتستقر مباشرة ودون أى تعقيد أو تغليف أو تزويق فى قلب ووجدان المستمع، وتظل معه ربما إلى آخر العمر، يتجلى طيفها فى فكره وفعله وحياته.. وتعينه على معرفة قيم الخير والجمال. من الفنانين من يبحث عن ضالته طوال عمره.. ومنهم من يجدها فى عمل واحد فقط مثل صاحبنا الأديب الصينى.. وهناك من ينعم الله عليه فى حياته القصيرة فيرزقه إبداعات خالدة تعيش مئات السنين كما كان العملاق سيد درويش. هذا هو الفن كما أعرفه وأفهمه وسأظل مؤمناً به باحثاً عنه.