يمكن القول إن الفول هو الطبق الرسمى للمصريين، ومن المستحيل أن تمر فى شارع مصرى أو تدخل منزلاً ولا تجد على مائدته طبق الفول أو «القِدرة» التى تحرص النساء على وجودها فى بيوتهن، وفيها تطهى الأكلة الأشهر على الإطلاق فى مصر، فعلى الرغم من الحالة الخاصة التى يشكلها فى شهر رمضان إلا أنه طبق يومى مصرى بامتياز. زى اللوز ولذيذ يا «مدمس» طبق الفول «ملك الفطار» يعتبر طبق الفول هو المظهر السائد على موائد المصريين من أسوان إلى الإسكندرية وتزداد سيطرته على قلوبهم فى شهر رمضان، حيث وجبة السحور التى يجتمعون على تناولها فى البيوت ونواصى الشوارع وينتظرون فى الحوارى الشعبية بائع الفول الذى يستقل عربة خشبية لشرائه معبأ فى أكياس ليكون على رأس وجبة الإفطار أو العشاء. يشكل الفول المدمس حالة من الدفء وثقافة خاصة على مستوى الأكل استمدت قوتها من وحدتهم وتقاربهم ويرتبط طبق الفول المدمس بجميع طبقاتهم واستخدمت الأكلة فى الأقوال والأمثال الشعبية التى جاء قولها بأسلوب عفوى وبسيط فى أعمال الفن. أما المطرب صلاح عبدالحميد فقد غنى قائلاً: «زى اللوز ولذيذ يا مدمس.. شغل ايديا وزيه مفيش». لكن حُب الشارع المصرى للفول المدمس ليس وليد اللحظة، فقد استخدمه المصريون القدماء كبديل للبروتين، ومع مرور الوقت أصبح طبقاً رئيسياً بمثابة طقس يومى يتم إعداده بأكثر من طريقة، ومزجه بعصير الليمون والملح وبعض التوابل وفى مقدمتها الكمون، وقد يضيف البعض إليها بعض الإضافات كالثوم أو البصل أو أى نكهة يفضلونها. «الكشري» أكلة المصريين المفضلة.. ويعشقه «مو صلاح» يتميز الكشرى بأنه من أشهر الأكلات الشعبية المصرية، التى يكثر الطلب عليها بشكل يومى، وهو طبق أساسى لا يكاد يفارق المصريين، وخليط من أنواع مختلفة من البقوليات، كالعدس الأسود والمكرونة والأرز، وهو رمز أصيل للحياة اليومية فى مصر، وهو أكلة لا غنى عنها على المائدة المصرية أو المطاعم، وتكتظ الشوارع والحارات الشعبية بالعربات التى تقدم أطباقاً يُضاف عليها الصلصة الكثيفة والبصل المحمر. لا يعتبر المصريون الكشرى مجرد أكلة، بل يعتبرونه طقساً اجتماعياً وطبقاً رئيسياً يتصدر قائمة الأكلات المطلوبة من جميع جنسيات العالم وضيوف مصر وقاطنيها من الدول الأخرى كالسفراء والدبلوماسيين ليتعرفوا على تلك الأكلة التى يجتمع على حبها المصريون بجميع طبقاتهم واختلافاتهم وعدد كبير من الأجانب والزائرين يقعون فى حبها ويلجأون إلى أشهر مطاعمها فى القاهرة أو المحافظات الأخرى السياحية. والوجبة السريعة المكونة من أصناف متنوعة تشمل بقوليات وأرزاً ومكرونة تغنيك عن حيرة الاختيار وتبعدك عن ملل الانتظار، وهى مقربة إلى نجوم المجتمع والفنانين فى مصر، ويعتبر نجمنا المصرى محمد صلاح، من أبرز الأشخاص الذين لا يقاومون طبق الكشرى، فهى أكلته المفضلة. وتاريخياً تعود أصول أكلة الكشرى إلى الهند، حيث ذكر الرحالة ابن بطوطة فى كتابه «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» أنها نشأت فى بلاد الهند ولكنها دخلت مصر منذ قرون عديدة وأصبحت الأكلة الشعبية المقربة من الشارع المصرى. «المحشي».. طبخة «الست الشاطرة» لإسعاد أسرتها يخطف المحشى قلوب المصريين، فلا تجد بيتاً إلا ويُطهى فيه المحشى، ومثلما ارتبطت «المحاشى» بالمناسبات والعطلات الأسبوعية ارتبطت أيضاً بالحالة المزاجية. ولأن الأكلات المحشية فى مصر متنوعة أصبح رواد مواقع التواصل الاجتماعى يعتبرونها أحد الأشياء التى تحسن حالتهم النفسية بسبب عشقهم لرائحته ومذاقه. الباذنجان والفلفل والكرنب وأوراق العنب يطلق الشعب المصرى على هذه الأكلات (المحشى)، وعرف المصريون المحشى فى أثناء فترة الحكم العثمانى لمصر وكان يسمى فى بداية الأمر «دولمة»، ويشير هذا المعنى إلى الخضار بمختلف أنواعه، إذا تم حشوه بالأرز المتبل أو اللحم المفروم، وعندما انتقل للمصريين أضافوا إليه بعض الإضافات التى ميزته وجعلته من أكثر الأكلات المحببة لقلوب المصريين واستبدل المصريون «الدولمة» التركية إلى «المحشى» بلمستهم وطريقتهم الخاصة فى إعداده. ارتبطت أكلة المحشى مؤخراً بمزاج المصريين حيث يتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعى مجموعة من الصور والفيديوهات خلال طبخهم المحشى ويعلقون «المحشى الوحيد اللى بيظبط مزاجنا»، وفى هذا الشأن يقول استشارى علم النفس الدكتور محمد عجمى إن علاقة الطعام بالمزاج العام علاقة قوية وتفرض نفسها على أدمغتنا، فهناك أوقات نشعر فيها أننا نشتهى طعاماً معيناً من الأطعمة لا غيره، وهى عملية لا ترتبط بالجوع فقط وإنما بالحالة النفسية للأشخاص وكأنه لا يشبع جوعنا إلا هذا الطعام مهما أكلنا. «الملوخية».. ظهرت في عهد الفاطميين وأصبحت أيقونة لا تخلو المطابخ المصرية من الملوخية، وربما هى الأكلة المصرية الأشهر، يجتمع عليها المصريون منذ آلاف السنين باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم، وهذا الطبق له حكاية طويلة تضرب بجذورها عبر آلاف السنين، ونبات الملوخية يُزرع على نطاق واسع فى الأراضى الواقعة على ضفاف نهر النيل. وهى طعام الغنى والفقير والصغير والكبير ولها أكثر من طريقة فى تناولها رغم تشابه طبخها فى جميع محافظات مصر، البعض يعتبرها حساء يُشرب بالملعقة، والغالبية تعتبرها أكلة تُغمس بالخبز أو تؤكل مع الأرز. واستبدل المصريون اسم الملوكية بالملوخية، حيث حكى الأديب والمفكر أحمد أمين قصة الملوخية فى كتابه «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية»، وقال إنها عُرفت بفوائدها عند القدماء منذ آلاف السنين، وعندما أصيب المعز لدين الله الفاطمى بالتهاب الأمعاء عالجه الأطباء بها وشُفى. أطلق الناس عليها اسم الملوكية، وبعد أن تحدّث عن فوائدها الكثير من أطباء العرب القدامى مثل الشيخ الرئيس ابن سينا، الذى وصفها بأنها مغذية، ملطفة، ملينة، واقية للأغشية، بينما قال عنها ابن البيطار إنها مفيدة للطحال ولها خواص مسهلة. ويتفق المصريون على طرق تحضير الملوخية، سواء فرمها وهى خضراء طازجة لتقطيعها بشكل ناعم لإضافتها على الشوربة أو طبخها مع مرق الدجاج أو الإبقاء على أوراقها كاملة وطبخها ثم تزيينها باللحم والمكسرات، كما يفضل سكان الأقاليم تجفيفها تحت أشعة الشمس، فتُعرف ب«الملوخية الناشفة» وهى تطبخ مع شوربة اللحم أو الدجاج أو الأرانب. «العدس» يحمي من البرد.. و«البصارة» من أيام الفراعنة العدس من الأكلات التى أحبها المصريون، حيث زُرع فى مصر منذ عهد الأجداد، ووجد فى مخطوطات مصرية مزروعاً بنفس الطريقة منذ أيام الفراعنة، فهو من الزراعات التى ارتبطت بقيام حضارات العالم القديم فكان من أهم الأطعمة التى زرعها أجدادنا منذ آلاف السنين. وللعدس مكانة خاصة فى قلوب المصريين ومع بداية فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة يبدأ المصريون فى تناول شوربة العدس من أجل الوقاية من نزلات البرد وتدفئة الجسم، وقد حرصت الشعوب المجاورة على زراعة العدس بعد أن تعلمتها من المصريين، وهى أكلة موجودة فى العديد من البلدان العربية والأجنبية ومحببة لقلوب الكثيرين لأنها تحتوى على ألياف مغذية وبديل بروتينى للحوم. أما أكلة البصارة فتشكل مع العدس جزءاً من الوجدان التاريخى الذى بدأ مع تاريخ الزراعة فى مصر خلال عهد الفراعنة، واستمر خير مصر الوفير حتى يومنا هذا بالأكلات ذات القيمة الغذائية العالية. وتعد البصارة من الأكلات التى تشتهر بها المنازل المصرية، وهى أكلة رغم عدم انتشارها فى الشارع المصرى والمطاعم المصرية عادة، إلا أنها جزء من الهوية والثقافة المصرية الشعبية، وهى متداولة منذ عصر المصريين القدماء حتى هذه اللحظة فى محافظات الدلتا والصعيد. وعن البصارة تقول الكاتبة سميرة عبدالقادر فى كتابها «الأكل أصله مصرى» إن الحساء الذى يعرفه المصريون منذ عهود قديمة وكان يطلق عليه «بيصارو»، هو أصل أكلة البصارة وهى أكلة مصرية لا يختلف أحد على نشأتها وأنها مصرية خالصة، واعتبر علماء المصريات أنها أكلة قديمة لا تزال موجودة فى المطبخ المصرى، وكلمة بصارة مصرية صميمة. «الشلولو».. طبق صعيدي أحبته وتناولته السيدة العذراء يعتبر طبق «الشلولو» من الأطباق العتيقة التى نشأت فى مصر، وهو ابتكار فرعونى خالص، ولا تكاد تخلو موائد أهالى الصعيد من هذه الأكلة القديمة والموجودة فى مصر منذ عهد الدولة القديمة. ويعتمد «الشلولو» الطريقة القديمة لعمل الملوخية بل وتعد أول أكلة استخدمت فى صناعتها أوراق الملوخية الجافة المعروفة بفوائدها الغذائية العالية رغم سرعة إعدادها وتكلفتها الاقتصادية البسيطة. ومن الشائع لدى عدد كبير من الأقباط فى مصر أن السيدة العذراء مريم كانت تتناول «الشلولو» خلال فترة وجود العائلة المقدسة فى مصر، ويعد الشلولو ضمن أكلات الصيام التى يتناولها المسيحيون تيمناً بالعذراء، بل وأصبح طقساً من طقوس الصيام خلال الفترة من 7 أغسطس وحتى 22 من الشهر نفسه. أما عن مكونات «الشلولو» فهى لم تختلف من العصر الفرعونى حتى الآن حيث يتم إعدادها من الملوخية الجافة والثوم المفروم والماء والملح والليمون، ويضيف البعض أنواع التوابل البسيطة وهى الكمون والكزبرة الجافة والشطة أو قرون الفلفل الخضراء وتؤكل مع العيش الشمسى فى الصعيد. ومن المعروف عن طبق الشلولو أنه لا يحتاج إلى وقت كبير لإعداده، إذ إن الأكلة لها وصفة سريعة ومشبعة، وبجانب اشتهار الصعيد بها وتوارثها جيلاً بعد جيل، عاد الحديث عنها من جديد فى السنوات الأخيرة خاصة بعد أن تحولت إلى تريند مواقع التواصل الاجتماعى بعد تصريحات أحد الأطباء المتخصصين فى مجال التغذية بأنها تحتوى على قيمة غذائية تساعد على رفع المناعة والوقاية من الإصابة بفيروس كورونا المستجد.