توقفت أمام القرار الذى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات، بما ينص على عزل عضو هيئة التدريس المتهم بالاشتراك أو التحريض أو المساعدة على العنف، أو إحداث الشغب داخل الجامعات أو أى من منشآتها، أو ممارسة الأعمال الحزبية داخل الجامعة، أو إدخال سلاح من أى نوع كان للجامعة أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة وغير ذلك، وتنطبق هذه الحالات الثلاث على كل من الأساتذة والمعيدين والمدرسين المساعدين والموظفين بالجامعات، وهناك بند رابع يقضى بالعزل يطبق على الأساتذة فقط وينص على عزل عضو هيئة التدريس الذى يأتى بفعل يزرى بالشرف أو من شأنه أن يمس نزاهته وكرامته وكرامة الوظيفة. لم يشغلنى فى هذا القرار البنود الثلاثة الأولى المتعلقة بالتحريض على العنف، أو ممارسة عمل حزبى، أو إدخال سلاح من أى نوع إلى الجامعة، فقد أشبعها المهتمون بأمر الجامعات بحثاً وجدلاً، ونوهوا إلى ما فيها من سوءات أبسطها هذه العبارات الفضفاضة التى لا تحمل تحديداً واضحاً لمفهوم التحريض أو المساعدة عليه، وحكاية السلاح أياً كان نوعه (يعنى حتى لو كان قصافة ضوافر)، ما لفتنى وشغلنى حقاً فى هذا القرار، هو استثناء البند الرابع المتعلق بالإتيان بفعل يزرى بشرف المهنة التى يمتهنها الأستاذ الجامعى مما نص عليه القرار من إيقاف عضو هيئة التدريس ستة شهور ومنعه من دخول الجامعة إلا لحضور جلسات التحقيق حال توجيه أى من التهم الثلاث إليه، حيث نص القرار على إيقاف عضو هيئة التدريس بمجرد التحقيق معه فى القصص المتعلقة بالعنف والسلاح والعمل الحزبى. أظن أن لهذا الأمر دلالة تستحق منا وقفة. الدلالة التى يمكن أن تفهم من خروج القرار على هذا النحو هى أن السلطة فى مصر لا تكترث كثيراً بموضوع «شرف المهنة» أو قصة «الكرامة الوظيفية»، فما يعنيها على وجه التحديد وما تريد أن تتصدى له هو أى أفعال تحدث داخل الجامعة قد تتسبب فى أى نوع من الصداع لدى الجالسين على مقاعدها. فالمظاهرات والشغب والعمل الحزبى وخلافه تتوجه إلى السلطة بصورة أساسية، وهو أمر يعنيها كثيراً، أما مسألة النزاهة أو الكرامة الوظيفية أو شرف المهنة وغير ذلك من أمور فتصب فى الأول والآخر داخل الجامعة، وتؤدى إلى تخريبها، وهو أمر غير ذى بال لأنه لا يزعج السلطة فى شىء، إنه فقط يضر الجامعات، وبالتالى فيجب ألا ينطبق عليه ما ينطبق على الأفعال التى تؤرق السلطة. تلك هى الحكمة التى يمكن أن يفهمها الكثيرون وهم يقرأون ما بين سطور هذا القانون، لقد تمنيت أن يتم تعديل قانون تنظيم الجامعات بشكل يعكس رؤية ورغبة فى إصلاح أحوالها التعليمية والبحثية، الأمر الذى كان سيؤشر إلى أن السلطة تسعى إلى «الإصلاح» وليس إلى «التحصين». أنا أتفق مع صانع القرار فى رفض تحول الجامعات إلى ساحة للصراع الحزبى والسياسى، لكن الإصلاح الحقيقى لأوضاعها يتطلب الالتفات إلى الملفات الأهم التى تضع الجامعات المصرية على عتبة المستقبل، ولكن يبدو أننا ما زلنا نسير داخل الحذاء!.