أبرز موضوعات المجلس الأكاديمي بجامعة المنصورة الأهلية لشهر يونيو.. تعرف عليها    الفتيات يحصدن معظم المراكز الأولى بامتحانات الشهادة الاعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية    الإحصاء: 35 مليون دولار حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان خلال عام 2023    وزير الزراعة يوجه الفريق البحثي لنبات الكسافا بإجراء مزيد من التجارب التطبيقية وتحليل صفات الجودة    حماس عن إعلان الاحتلال تحرير 4 أسرى من وسط غزة: نحتفظ بالعدد الأكبر    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    «التقسيط» يفصل عطية الله عن الانضمام ل الأهلي    وكيل تعليم بالبحيرة يجتمع بمسئولي توزيع الأسئلة ضمن الاستعدادات النهائية للثانوية العامة    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    وزير الصحة يحيل المتغيبين بمستشفى مارينا للتحقيق بناء على تقرير المرور المركزي الأسبوعين الماضيين    صحة المنيا: فحص 1237 حالة خلال قافلة طبية مجانية بدير السنقورية    اتحاد جدة يستقر على رحيل جاياردو قبل معسكر أوروبا    ولاء التمامي تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    السر في "النينيو".. خبير مناخ يوضح سبب ارتفاع درجات الحرارة هذا العام (فيديو)    قضايا الدولة: 12 مليون جنيه غرامة إتلاف الشعاب المرجانية بالغردقة    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    الفنانة شيرين رضا تعلن أعتزالها الفن    مطرب شهير يهاجم عمرو دياب بعد واقعة الصفع: والله عيب    لطفية الدليمى: لم أتخيل في أشد كوابيسي أن أغادر العراق    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    العشرة الأوائل من ذي الحجة .. هل هي الليال العشر ؟    مجلس الشيوخ يناقش ملف تأثير الذكاء الاصطناعي على الشباب.. غدًا    زيدان: مبابي سيصنع التاريخ وسيتخطى جميع لاعبي ريال مدريد    عند المعاناة من متلازمة القولون العصبي.. ماذا تأكل وماذا تتجنب؟    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    ب«750 ألف يورو».. الأهلي يحصل على توقيع زين الدين بلعيد لمدة 4 سنوات    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    لماذا الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؟.. مركز الأزهر العالمي يُجيب    سما الأولى على الشهادة الإعدادية بالجيزة: نفسى أكون دكتورة مخ وأعصاب    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    الفوج الثاني من حجاج «المهندسين» يغادر إلى الأراضي المقدسة    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    قبل عيد الأضحي.. موعد صرف مرتبات يونيو 2024 بعد تبكيرها (بسبب السنة المالية)    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    التوقعات الفلكية لبرج الحمل في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فيروز» بدون مناسبة
نشر في الوطن يوم 31 - 12 - 2014

اليوم هو الأول من يناير 2015، بداية عام جديد وبشارة جديدة، نتذكر بعض إحباطات عام 2014 فنتمنى أن يبدلنا بها عام 2015 نجاحات، ونستعيد بعض فضائل العام الذى مضى، فنود لو يصطحبها معه العام الذى يهل علينا. وفى هذه المناسبة، لا أفضل من استعراض العدد التذكارى من «الأهرام العربى» الذى صدر قبل أيام تحت عنوان: فيروز بدون مناسبة.
فاجأتنا مجلة «الأهرام العربى» بهذا الإصدار البديع عن جارة القمر، وفاجأتنا أكثر بعنوان العدد «فيروز بدون مناسبة»، فالحكى عن «فيروز» لا يحتاج إلى مناسبة، فرادتها هى المناسبة، وجودها بيننا هو المناسبة. نفدت الطبعة الأولى بعد ساعات قليلة من طرحها فى الأسواق، واختفت الطبعة الثانية قبل أن يفوز كثيرون بنسخة من الإصدار، فهل يبقى بعد كل هذا الطوفان من الشوق لكل ما يكتب عن «فيروز» ويكتب لها موضع للسؤال عن السبب والمناسبة؟
اتسع هذا الإصدار الفيروزى الخاص جداً لشهادات عدد قليل بل وقليل للغاية من المشغوفين بهذا الصوت الملائكى بطول الوطن العربى وعرضه، فكتب ماهر زهدى عن لحظة ميلاد «نهاد»، التى جاءت ثمرة زواج سريانى - مارونى بين «رزق وديع حداد وليزا البستانى، وحكت حسناء الجريسى عن تاريخ حى زقاق البلاط الذى شهد هذا الميلاد، وكيف نزحت إليه الإرساليات الأجنبية وأسست فيه مدارسها، ثم توافد عليه أهل الجنوب اللبنانى نجاة من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، كما سكنه مهاجرون أكراد من سوريا. وأتصور أن هذه التعددية الدينية / المذهبية / العرقية / الثقافية التى أحاطت بظروف النشأة والتى تعد هى ذاتها من أهم عناصر عبقرية النموذج اللبنانى (وأيضاً من أبرز تحدياته)، ساهمت فى تشكيل شخصية «فيروز» وساعدتها على التنقل بارتياح تام ما بين غناء ترنيمة «يا شعبى ماذا صنعت بى؟» المستوحاة من الكتاب المقدس وقصيدة «غنيت مكة أهلها الصيدا والعيد يملأ أضلعى عيداً». وحتى تتم المفارقة وتتجلى، فإن أحمد خالد يحكى كيف كتب الشاعر المسيحى سعيد عقل قصيدة مكة التى شدت بها «فيروز»، وكيف وهو المعادى للعربية والمترفع عن العروبة كتب بلغة فصحى لا أروع منها قصيدة «سيف فليشهر» عن حق الفلسطينيين فى العودة، وقد تغنت «فيروز» أيضاً بهذه القصيدة فى عام 1966 ليرد عليها الشاعر الكبير نزار قبانى بقصيدة شديدة القسوة واليأس قال فيها «من أين العودة فيروز؟».
وجاءت علاقة «فيروز» بمحيطها العربى على صورة علاقتها بلبنان التى لا تعرف الانتماءات الضيقة ولا تعترف بالحدود بين الضيع أو بين السهل والجبل والجنوب. وعن هذه العلاقة المترامية كتبت سهير عبدالحميد وكيف أنها أخرجت «فيروز» من ضيق مجالس السلطان إلى رحابة محاضن الأوطان، لم يحتكر صوتها قط حفل خاص إلا حفل زفاف صديقتها «ناهد»، ولا غنت للحبيب بورقيبة حين زار لبنان لكنها غنت لدمشق وبيروت والقدس والإسكندرية فتكونت فى بعض تلك المدن حلقات فيروزية عن عمد وتدبير، أما حلقات الفيروزيين التلقائية فكانت بلا مدى. أعطت «فيروز» للقضية الفلسطينية أكثر مما أعطاها فلسطينيون كثر، كما قال عنها محمود درويش، شاعر فلسطين الأنبغ. ومع ذلك فإن هذا الصوت الآتى من السماء لم يقدر له أن يعانق أبيات «درويش»، ببساطة لأن ما نجحت فيه «فيروز» فى مجال السياسة لم تتمكن منه فى عالم الفن. احتكر إبداعها الزوج عاصى الرحبانى، وفرض عليها خياراته، أو كما قال أحدهم جعلها خادمة للأغنية، لم يسمح لها بأن تحيى جمهورها مرتين، حتى وإن التهبت الأكف من التصفيق، ولا أتاح لها أن تعيد المذهب والكوبليه، حتى وإن تمايلت الصفوف المتراصة من الطرب، وهكذا أيضاً لم يمكنها «عاصى» من غناء قصائد «درويش» التى تقوم على التفعيلة، فهواه هو و«منصور» شقيقه كان القصائد العمودية. وحتى عندما نفرت «فيروز» وشردت وتمردت على ديكتاتورية الزوج الموسيقار وذهبت إلى عالم الابن «زياد»، حيث الشباب والتجديد وموسيقى الجاز، اكتشفت أنها وقعت فى حبائل ديكتاتور آخر أرادها لنفسه هو، أو كما وصفه ماهر زهدى بأنه كان «أوديبها». وفوق ذلك اكتشفت «فيروز» أن لقدرتها هى نفسها على التمرد حدودها، فقد كانت تخشى من جرأة ألحان «زياد» وكلماته، وتعطى نفسها بين أغنية وأخرى فرصة لالتقاط الأنفاس وأيضاً النقد. انتقد الجمهور غناءها «عاهدير البوسطى»؛ لأن فيها خيانة «والسيدة» أبداً لا تخون، وانتقد غناءها «كيفك أنت»؛ لأن فيها استملاحاً للحبيب «والسيدة» يُتغزل بها ولا تتغزل فى أحد. باختصار تبينت «فيروز» أنه فى كل المرات التى طرحت فيها معادلة إما الفن وإما الحرية فإن اختيارها الأول كان هو الفن، والعبقرية أنه رغم كون الحرية أكسير حياة الفن فإن «فيروز» نجحت من داخل أسوار الرحبانية فى أن تطلق فناً لا يجاريه أحد.
فى الإصدار الخاص للأهرام العربى عن «فيروز» التى وصفها أحمد السيد النجار بأنها «سيدة الملكوت الأعلى للغناء» مقارنة متكررة بين «فيروز» و«أم كلثوم»، أو بين «السيدة» و«الست»، كما كان يطلق عليهما، وهكذا نحن نفتش فى تاريخ العظيمتين لنقارن بين مسار ومسار، بين ولع أحمد رامى بأم كلثوم، وتدله أنس الحاج فى حب «فيروز». مولعون نحن بتلك الثنائيات فى كل شىء حتى فى الفن والإبداع، نقارن بين فن حليم وفن فريد، وبين حنجرة أم كلثوم وأصوات فايزة وأسمهان وفيروز، وكأنه فرض علينا فن واحد وصوت واحد، ونتمكن أحياناً من أن نسحب هؤلاء إلى مساحاتنا الضيقة. تحكى آمال فهمى، صاحبة «على الناصية» وصاحبة «فيروز»، كيف اشتكتها «فيروز» لموسى صبرى حين قالت إنها أول فنانة عربية تغنى لفلسطين، ليس مهماً من كان صاحب السبق ولا اسم أول من غنى لفلسطين، المهم ألا ينقطع التغنى بفلسطين وبيوتها وشوارعها القديمة لتظل فلسطين حية فى وجداننا جيلاً بعد جيل.
أخذنى الإصدار الفيروزى الرفيع إلى أعلى فلم تعد قدماى تلامسان الواقع بصخبه ومعاركه ومصالحه. لا بأس من التحليق عالياً مع بداية عام جديد لنطل عليه من فوق ونسقط فوقه أمانينا، لا بأس من ذلك أبداً، فتحية إلى رئيس التحرير علاء العطار، الذى أهدانا هدية بدون مناسبة. أما أبسط وأعمق ما قيل فى مدح «فيروز» فى هذا الإصدار المفاجأة فكان قول أميرة سيد مكاوى: «حين أراد الله أن يسمعنا صوت الملائكة خلق فيروز»، وها قد سمعنا وسمونا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.