- ميشال عون تولى الرئاسة بعد 29 شهرا من الفراغ الرئاسي.. وحكومة ميقاتي المستقيلة تشكّلت بعد 13 شهرا من الفراغ الحكومي.. فهل يمكن ملء فراغهما في 60 يوما فقط؟! - الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى مزيد من التدهور.. اعتكاف القضاة يجمد العدالة.. وإضراب موظفي "أوجيرو" يربك الاتصالات والانترنت.. والظلام يعم البلاد بسبب نقص الوقود - لبنان يعيش مرحلة فارقة في تاريخه.. وقرار الاستقرار مرهون بتوافق القيادات السياسية وتخفيف حدة النعرات الطائفية وإعلاء المصلحة العامة على حساب المصالح الحزبية في أواخر شهر أكتوبر عام 2016، استقر مجلس النواب اللبناني على انتخاب الرئيس اللبناني ميشال عون ليكون الرئيس الثالث عشر للبلاد منذ استقلالها، وذلك بعد معارك سياسية حامية دامت لقرابة 29 شهرا قضاها لبنان بين فراغ رئاسي وسلطة تشريعية مجمدة في هيئة انتخابية عقدت 46 جلسة لانتخاب الرئيس، وكر وفر بين الأحزاب والكتل النيابية. ولم يخفف من وطأة الفراغ سوى وجود حكومة كاملة الصلاحيات يقودها رئيس الوزراء الأسبق تمام سلام (رئيس الحكومة التاسع والأربعون في تاريخ لبنان) والتي تولت مهامها في فبراير عام 2014 قبل قرابة 3 أشهر من نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، حيث تولت الحكومة جميع صلاحيات رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس يملأ الفراغ. واليوم، أوشكت ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون على الانتهاء بعد 6 سنوات إلا شهرين قضاها في قصر الرئاسة غير قابلة للتجديد، وبدأت المهملة الدستورية التي حددها الدستور اللبناني لانتخاب رئيس جديد، إلا أن اليوم لا يشبه إطلاقا البارحة، إذ بات لبنان على مشارف فراغ رئاسي جديد يتزامن مع فراغ حكومي مستمر بسبب خلافات حول تشكيل الحكومة الجديدة منذ تقديم حكومة نجيب ميقاتي استقالتها في 22 مايو الماضي بالتزامن مع بدء ولاية مجلس النواب الجديد. وأصبح لبنان أمام سيناريو كارثي يقترب بقوة، وهو الفراغ الرئاسي والحكومي معا مما قد يؤدي إلى شلل تام في السلطة التنفيذية بلبنان ما لم يتم تجاوز الخلافات وتشكيل حكومة جديدة والتوافق حول رئيس جديد للجمهورية خلال أقل من 60 يوما فقط! الشواهد تؤكد أن تفادي السيناريو الكارثي ليس سهلا، وخصوصا في ظل الخلافات العميقة المستمرة بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي التيار الوطني الحر برئاسة صهر الرئيس النائب جبران باسيل من جهة أخرى حول التشكيل الذي يتطلب موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معا قبل إعلانها وطرحها لنيل ثقة مجلس النواب. وقد كانت الخلافات بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية سببا في تعطيل تشكيل حكومة جديدة للبلاد لمدة 13 شهرا بعد استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار ميناء بيروت البحري، وظلت الحكومة في مهام تصريف الأعمال من العاشر من شهر أغسطس عام 2020 حتى العاشر من شهر سبتمبر عام 2021 رغم فاجعة انفجار الميناء المصنف ضمن أقوى الانفجارات غير النووية في التاريخ والتي خلفت أكثر من 220 قتيلا و6000 مصابا ومئات الآلاف من المشردين وخسائر مادية بمليارات الدولارات. وكان ميقاتي قد سلم رئيس الجمهورية في 29 يونيو الماضي تشكيلة مقترحة للحكومة تتضمن الإبقاء على أغلب الوزراء الحاليين مع تغيير طفيف في عدد من المقاعد خصوصا أن هذه الحكومة مجبرة على تقديم استقالتها فور انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر المقبل. وبالتزامن مع الخلافات التي تنذر باستمرار الفراغ الحكومي، لا تبدو ملامح لأي اتفاق بين القوى السياسية والطوائف الدينية بلبنان حول تقديم مرشح توافقي لإنجاز الاستحقاق الرئيسي في موعده، حيث تقضي الأعراف السياسية بلبنان وفقا لاتفاق الطائف على أن يتولى منصب رئيس الجمهورية أحد أبناء الطائفة المسيحية المارونية والتي تعد الطائفة المسيحية الأكبر في لبنان. ويضم البرلمان اللبناني المؤلف من 128 عضوا عددا من الكتل المسيحية المارونية من بينها كتلة حزب القوات اللبنانية الذي يترأسه سمير جعجع، (الكتلة تضم 19 نائبا)، فيما تأتي تاليا الكتلة النيابية للتيار الوطني الحر (تضم 18 نائبا) كما تتواجد كتل صغيرة من بينها كتلة حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل وكتلة تيار المردة الذي يترأسه سليمان فرنجية الذي كان مرشحا منافسا لميشال عون في انتخابات الرئاسة الأخيرة. ورغم المرجعية الدينية الواحدة لهذه الكتل، إلا أنها لا تتفق على مرشح واحد تدعمه لرئاسة الجمهورية، بل تنتمي كتلتا القوات اللبنانية والكتائب إلى تيار 14 آذار المؤيد لحصر السلاح بيد الدولة حفاظا على سيادتها، بينما تنتمي كتلتا التيار الوطني الحر وتيار المردة لتيار 8 آذار المتحالف مع حزب الله. وحدد الدستور اللبناني إجراءات انتخاب الرئيس الجديد من قبل مجلس النواب، حيث نصت المادة 49 على انتخاب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع السري بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، فيما يكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية. ويستمر رئيس الجمهورية في منصبه لست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح. كما لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص الاعتبارية في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين التاليتين لتاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم إلى التقاعد. كما تؤكد المادة 49 على أن رئيس الجمهورية يعد رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، ويرأس – وفقا لأحكام الدستور - المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. وتنص المادة 50 من الدستور اللبناني على أن يقوم رئيس الجمهورية المنتخب بحلف يمين الإخلاص للأمة والدستور ونصه: "أحلف بالله العظيم أن احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه". وجاء في المادة 73 من الدستور اللبناني أن مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية تبدأ قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، حيث يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وفي حالة عدم قيام رئيس المجلس بدعوة الأعضاء للانعقاد، فإن المجلس يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس. وتنص المادة 75 من الدستور على أنه بمجرد اجتماع المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية، فإن مجلس النواب يتحول لهيئة انتخابية فقط دون أي صلاحيات تشريعية، ويلتزم المجلس الشروع فورا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي أمر. ولا يكون اجتماع مجلس النواب قانونيا ما لم تحضره الأكثرية من أعضاءه. وما بين الفراغ الحكومي ومخاوف الفراغ الرئاسي، تأجلت مؤقتا المعارك السياسية حول خطة الإنقاذ والتعافي المالي والاقتصادي بالبلاد، وخصوصا بعدما رفض الرئيس اللبناني قبل أيام قانون السرية المصرفية الذي أصدره مجلس النواب في أول جلسة تشريعية له في شهر يوليو الماضي، وهو أحد القوانين التي رحبت بها الأوساط الاقتصادية في لبنان وخارجها باعتبارها أول خطوة في طريق إقرار القوانين الإصلاحية التي طلبها صندوق النقد الدولي لإتمام الاتفاق مع لبنان على دعم خطة تعافيه. وجاء رفض عون بمثابة صدمة تزامنت مع رفض اللجان المشتركة بالمجلس النيابي لمشروع قانون الكابيتال كونترول. وفي غضون ذلك تتزايد حدة الأزمات المعيشية والاجتماعية في لبنان والتي أجبرت القضاة على الدخول في اعتكاف مفتوح منذ عدة أسابيع (اضراب أكثر من 450 قاضيا من بين قرابة 510 قضاة) بسبب انخفاض قيمة الأجور التي باتت تراوح ما بين 95 دولارا و235 دولارا بحسب سعر الصرف (متوسط سعر الصرف 34 ألف ليرة لبنانية لكل دولار واحد) يوم تحويل آخر راتب بالإضافة إلى تردي أحوال المحاكم في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وغياب الخدمات. وأثر اعتكاف القضاة على منظومة العدالة في البلاد. كما دخل موظفو شركة "أوجيرو" وهي الشركة الوطنية اللبنانية للاتصالات في إضراب مفتوح عن العمل منذ قرابة 5 أيام مما أدى الى توقف عدد من السنترالات على مستوى الجمهورية اللبنانية عن العمل بشكل تسبب في انقطاع خدمات الاتصالات الأرضية والانترنت عن مناطق عديدة بلبنان بما في ذلك العاصمة بيروت، كما تعيش أغلب مناطق البلاد بلا كهرباء حكومية تقريبا منذ قرابة 10 أيام بسبب نفاذ الوقود بمحطتي التوليد الرئيسيتين. فيما ينتهي بنهاية الشهر الجاري مفعول القرارات المسكنة التي أصدرها مجلس الوزراء اللبناني لحل أزمة إضراب العاملين في القطاع العام، حيث صدرت قرارات بزيادات في قيمة بدل النقل وبدل الحضور لمدة شهرين فقط تنتهي بنهاية شهر سبتمبر، وذلك قبل شهر واحد من الذكرى الثالثة للحراك الشعبي في 17 أكتوبر عام 2019 احتجاجا على تردي الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد تزامنا مع بداية انهيار مالي واقتصادي قاد البلاد لأزمة كبيرة صنفها البنك الدولي أنها من بين أسوأ 3 أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. كما أسفرت الأزمة عن انهيار كبير لقيمة العملة اللبنانية حيث تضاعف سعر صرف الدولار بأكثر من 23 ضعفا أمام الليرة خلال الفترة من 2019 وحتى اليوم، بالإضافة إلى انهيار في القطاع المصرفي نتج عنه منع المودعين من الحصول على ودائعهم في البنوك وزيادة نسبة الفقر لأرقام غير مسبوقة وتخلف البلاد عن سداد ديونها. ولا شك أن لبنان يعيش مرحلة فارقة في تاريخه فإما أن يسير على طريق الاستقرار المرهون بتوافق قياداته السياسية وتخفيف حدة النعرات الطائفية وإعلاء المصلحة العامة على حساب المصالح الحزبية، وإما الرهان على المزيد من لطف الله وستره. أحمد سنجاب مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بلبنان