لعل كثيراً من جماهير الناس يتساءلون عن سر هذه الحملة المسعورة ضد الأزهر الشريف فى بعض وسائل الإعلام والصحافة، ممثلاً فى رموزه، ومروراً بقياداته وعلمائه وطلابه ومناهجه، فمن بين اتهام وكيل الأزهر وبعض أعضاء هيئة كبار العلماء بالأخونة، إلى التشكيك فيمن حول الشيخ من معاونين ومستشارين أجلاء، إلى الغمز والهمز هنا وهناك، إلى وصم مناهجه بالتطرف والغلو والجهل، مع التغرير بجماهير المشاهدين بصورة درامية تحمل فى طياتها الكذب والتدليس والتلفيق والخداع والكيد والمراوغة. ولكن العقلاء لا يخيل عليهم هذه المناورات والمداورات، مهما بلغت من الخبث والدهاء، لا يمكن أن يصدق عندهم مثل هذه المفتريات فى الإمام الأكبر الذى كان رمزاً للتصدى بقوة وحنكة لمحاولات الإخوان امتهان الدين واستخدامه لأغراض السياسة، أليس هذا هو الشيخ الذى وقف حائلاً دون محاولات الإخوان الماكرة والمتكررة للقفز على الأزهر فيما سجلته الأحداث ونشرته الصحف ووسائل الإعلام يوماً بيوم منذ الخامس والعشرين من يناير حتى الثالث من يوليو؟! أنسى هؤلاء المتجنون أن هذا الشيخ الأكبر هو الذى أغلق باب ولوج الإخوان إلى الأزهر من خلال نصوص استقلال الأزهر التى استطاع مستشاره القانونى -أحد ضحايا الحملة الإعلامية الظالمة- أن يحققها فى القانون 13 /2012، ومن بعده دستور2013 ودستور 2014 لأول مرة فى تاريخ الدساتير المصرية؟! ألا يذكر هؤلاء كيف تصدى الوكيل المفترى عليه لمشروع قانون الصكوك المشهور والذى كان يعرض أصول مصر للبيع، وأن هذا الموقف كان ناتجاً عن تلك الدراسات العلمية التى قدمها الدكتور/ عباس شومان -الضحية الأولى فى جرائم الاغتيال المعنوى للأزهر ورجاله- وعقد لها مؤتمراً خاصاً بمركز مؤتمرات الأزهر الشريف فى ذلك الوقت. أيمكن أن يصدق مثل هذا الاتهام السخيف بالأخونة على رجل حاصره الإخوان أنفسهم وحرضوا سفهاءهم على شخصه وألصقوا به كل رذيلة على مدى حكمهم يوماً بيوم بل ساعة بساعة؟! أو ليس هذا الشيخ هو الرجل الذى حمل روحه على كفه فى الثالث من يوليو، ليقرر مع ممثلى الشعب والقوى الوطنية مصير الوطن فى لحظة من أشد اللحظات حرجاً. أيمكن أن يصدق عليه مثل هذه الافتراءات؟! إن القائمة بمواقف الإمام الأكبر ومن حوله من رجال مشهودة معروفة مذكورة عند أصحاب الضمائر الحية والعقول السليمة والأخلاق، أما الانتهازيون ممن لا يتقيدون بخلق ولا دين ولا نظام ولا قانون ولا شرف فهؤلاء لا يسمعون إلا لأنفسهم ولا يحتكمون إلا إلى أهوائهم. ولو قد جاء قرآن بغير هواهم ازوروا ولو عاد النبى لهم لنالوا منه واجتروا ولو ناداهمو ملك لكان جزاؤه الزجر إن القضية باختصار شديد هى محاولة إرهاب الأزهر وتركيع قياداته للانصياع لأيديولوجياتهم العلمانية المغتربة عن الدين والوطنية والمبادئ وقيم التراث، وإلا فعلماء الأزهر هم فقهاء الإرهاب، ومناهجه تعلم الإرهاب، وأساتذته يربون الإرهاب، وقياداته من الإخوان، هو نفس منطق الإخوان بالأمس القريب، حيث كان علماء الأزهر بمواقفهم عندهم أعداء المشروع الإسلامى وأذناب العلمانيين، وهم الآن عندهم فقهاء السلطان إلى آخر القائمة المعروفة. إن الأزهر ليأسى على هؤلاء وأولئك، ويشفق عليهم مما انحدروا إليه من ضيق أفق وتعصب، ففريق تطرف فى الدين وفريق تطرف ضد الدين، والأزهر وسطى بطبعه وفقهه وفكره وسلوكه، لا يعرف ما ابتُليت به العقلية الحديثة من تطرف وتعقيد وغلو، وسيظل حائط الصد الحقيقى فى مواجهة تحديات التطرف. كيف يتصور أن ينصاع الأزهر لهذا الإرهاب الفكرى والنفسى الخسيس، وهو يستند إلى قواعد علمية راسخة، وثوابت وطنية تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، يَعلم ويُعلم الناس أنه ليس من بديهيات الدين أو الخلق أو القانون محاسبة أحد على رأى شخصى يمثل قائله ذكر خارج نطاق عمله ولم يتكرر أو يترجم إلى مظهر خارجى. ولم يكن الأزهر بطابعه العلمى ومنهجه الوسطى وسعة أفقه ليحاسب عالماً أو حتى تلميذاً على مجرد رأى صدر فى ظرف غير طبيعى وكانت الصورة ضبابية بالنسبة له ولم يكرره بأى صورة بعد ذلك قولاً أو فعلاً، بل أثبتت أفعاله بعد ذلك عودته إلى خط الأزهر خاصة والأزهر يعلم الصغار فى مجالس العلم قاعدة: «أنه لا إنكار فى المختلف فيه»، فبأى علم أو منطق معاقبتهم على مجرد رأى عوتبوا عليه ولم يكرروه، اللهم إلا إذا كان هذا هو منطق المتجنين على الأزهر. بالإضافة إلى أن مجلة الأزهر تتبع هيئة كبار العلماء، ويراجعها الإمام الأكبر بنفسه منذ ثلاثة أشهر تقريباً ولها مجلس تحرير، ليس الدكتور محمد عمارة إلا أحد أعضائه الذين يشرفون على التنفيذ. إنه من العجب العجاب أن تكون جناية القاضى محمد عبدالسلام، المستشار التشريعى والقانونى للإمام الأكبر أنه شاب. إن هؤلاء يغتالون الأمل الذى نادت به ثورتا 25 يناير و30 يونيو، ويعودون بنا إلى الوراء، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. إن تحريف الكلم الطيب عن مواضعه والتغرير بالجماهير استناداً لحسن نواياهم، تلبيس وتدليس لا تعرفه أصول ولا شرف المهنة الإعلامية. إن ما ينعى عليه الأزهر أن يكون صراع هؤلاء فى المجال السياسى باستخدام الدين أيضاً، كما كان يفعل سابقوهم، وسواء كان باسم الدين أو ضد الدين، فالجامع المشترك بينهما هو الدين، وليس هناك خسة أكثر من استخدام الدين لأغراض الدنيا وأهواء النفوس. ألم يأن لهؤلاء أن يتقوا يوماً يرجعون فيه إلى الله وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون؟