بين الناشط السياسى الذى يعمل باليومية والناشط الحقوقى الذى يتقاضى أجره بالقطعة، بين تجار المواقف بالجملة والقطاعى، بين صناع الأزمات ومروّجيها والقائمين على توزيعها، بين منتجى الشائعات ومصدقيها، بين مؤجرى عقولهم مفروشة ليرتع بها أصحاب الرغبات والعلاقات المحرمة، بين بائعى ضمائرهم على ناصية الخيانة الوطنية، بين كتاب الوحى القطرى والتركى والأمريكى وحتى الصهيونى، بين كارهى الجيش ومن يسمونه «عسكر» ومن يكرهون الشرطة ويسمونها بلطجية، بين من يتعاملون مع مصر على أنها فندق إذا ساءت فيه الخدمة سارعوا بمغادرته بحثاً عن وطن آخر أو فندق آخر، بين من يتراقصون أمام الفضائيات التى أطلقتها أجهزة استخبارات فى تبجح غير مسبوق، بين من يتعاملون مع الوطن على أنه مشروع استثمارى بمنطق الربح والخسارة، بين من فقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. بين الصواب والخطأ.. بين الحقائق والشائعات.. بين الكفر والإيمان.. بين كل هؤلاء ومع كل هؤلاء ومن كل هؤلاء، تتضافر المخاطر وتتسلل إلى جسد هذا الوطن الذى ينزف وعياً من ثقوب المرحلة.. ماذا يريد هؤلاء بمصر؟ الصورة واضحة تماماً وحجم المؤامرات وتشابكها باتا يجعلان إعمال العقل شيئاً من الجنون، إن هؤلاء ينتظرون الفرصة كى ينقضّوا على الحلم الذى بدأ يراود المخلصين من أبناء هذا الشعب، بيد أنهم لم يعودوا قادرين على صناعة الفرص؛ لذلك فهم ينتظرونها تأتيهم من غيرهم، والعجيب أن بعض المتحمسين من الشباب هنا أو هناك يقدمون لهؤلاء المارقين الفرصة تلو الفرصة، لكن هيهات هيهات ما تحلمون! فبعد الخذلان المبين فى فتنة الجمعة، جاء حكم القضاء فى قضية «مبارك» وأركان نظامه ليحاول هؤلاء وهؤلاء أن يعيدوا إنتاج الكتلة الضبابية مرة أخرى؛ فالدعوة للتظاهر ضد أحكام القضاء -أياً كانت هذه الأحكام- تمثل طعنة لفكرة الدولة وهدماً لأهم أركانها، لقد اختلط الحابل بالنابل وصارت الأمور «حيص بيص» وأصبح العنوان العريض لمجمل الأحوال المصرية هو الفوضى العارمة وغياب القيم والأخلاق والمبادئ المجتمعية المصرية الأصيلة، أصبح كل شىء مستباحاً فى مصر: قطع الطرق، تهديد الآمنين، توجيه السباب والشتائم للجميع، الهجوم على المؤسسة العسكرية والشرطية، وتخوين الجميع وتكفير الجميع ونزع رداء الوطنية عن الجميع.. هؤلاء يمكن تسميتهم طابور الفتنة الذين يساعدون أعداء هذا الوطن، والآن هل الدعوة لهذه المظاهرات بهذا الشكل يمكن أن تبنى وطناً؟ هل يمكن أن تستمر مصر فى ثورة دائمة إلى الأبد؟ فمصر فى مأزق وهذا المأزق صناعة إخوانية بامتياز، فهل يمكن أن نقف مكتوفى الأيدى أمام هذه المحاولات لتدمير ثوابت الدولة المصرية؟ إننى أقدر الموقف فى مصر من جميع الزوايا، وأرى أن هذه المظاهرات يجب أن تتوقف تماماً ومن الجميع وتحت أى ظرف وبأى شكل؛ فالدولة يجب أن تضرب بيد من حديد على كل من يحاول الخروج على قوانينها وخطوطها الحمراء، وهى بدأت ذلك بالفعل، إن من لا يستطيع تمييز الألوان لن يرى الخطوط الحمراء، «واتظاهرى يا اللى مانتش غرمانة».