من الآخر، لست مقتنعاً بالتيار الشعبى الذى أعلن عن تأسيسه مؤخرا، والموضوع ليس له علاقة بشخص مؤسسه الأستاذ حمدين صباحى، فأنا من المعجبين بحمدين وما حققه من انتشار وتواصل حميم مع الناس فى حملته الرئاسية، ومن المبهورين بالمجهود الجبار الذى بذله لكى يأخذ مسافة من الخطاب الناصرى القديم، من أجل تقديم خطاب شعبى جذاب قائم على العدالة الاجتماعية والتدين المصرى البسيط. على أننى ما زلت أنتظر من حمدين صباحى نقداً ذاتياً ومراجعة حقيقية لمواقفه السابقة من بعض الطغاة من أمثال صدام حسين الذى وقف أمامه لكى يقول فيه شعراً. الموضوع محتاج من حمدين اعترافاً واضحاً لا لبس فيه بالخطأ دون مراوغة وادعاء أنه لم يكن يؤيد صدام وإنما كان يناهض الولاياتالمتحدة، لأن المناهضة الحقيقية للولايات المتحدة لا تكون بتأييد مثل هؤلاء المجرمين الذين بحماقتهم ورطوا بلادهم فى مغامرات وانتهوا بها إلى احتلال أجنبى. ولكن مع تحفظاتى على بعض مواقف حمدين السابقة، فأنا من المقدرين لما حققه فى حملته الرئاسية ولدوره فى تسليط الضوء على حقيقة وجود ملايين المصريين المشتاقين لخطاب سياسى لا يقوم على الكراهية وإنما على الحب والتضامن والعدالة الاجتماعية. لماذا أتحفظ على تأسيس التيار الشعبى؟ لأن مصر تحتاج إلى بناء مؤسسات ومنظمات سياسية، أى بالعربى أحزاب، فبالرغم من كثرة الأحزاب السياسية الموجودة اليوم ليس هناك حزب واحد قوى بما فيها الحزب الحاكم، حزب الحرية والعدالة.. فهذا الحزب مجرد واجهة سياسية لجماعة دينية اسمها الإخوان المسلمين، شأنه شأن حزب النور الذى هو واجهة سياسية لجماعات وشبكات دينية. اليوم وبعد سقوط نظام مبارك الذى كان يحول دون قيام أحزاب حقيقية تحتاج البلد من سياسيها إذن أن يؤسسوا أحزاباً جديدة قوية أو أن يساعدوا الأحزاب القائمة على النمو والنضج. فى عصر مبارك كنا نلجأ إلى العمل السياسى من خلال حركات وتيارات ومجموعات غير رسمية وضعيفة التنظيم (كفاية والجمعية الوطنية للتغيير مثلاً)، لأن تأسيس الأحزاب ما كان ليحدث إلا بموافقة النظام. اليوم الطريق مفتوح نسبياً لتأسيس أحزاب لها هامش واسع من حرية الحركة، فلماذا إذن العودة للوراء والعمل من خلال القطاع السياسى غير المنظم؟ إذا كان بإمكانك بسهولة الحصول على رخصة محل تجارى له عنوان وسجلات فلماذا تتمسك بالوقوف على الرصيف؟ لماذا الإصرار على البقاء كبائع متجول حينما يكون من المتاح أن تتحول إلى تاجر منظم؟ يرد الأستاذ صباحى على ذلك بأن الأحزاب مجال حركتها محدود، وهى تتكلم فى السياسات العامة فقط، لكن الواقع يحتاج إلى تيار له أنشطة متنوعة اجتماعية وثقافية وخدمية. لكن هذا القول مردود عليه بأنه ليس هناك ما يمنع على الإطلاق من أن يمارس الحزب أنشطة ثقافية وخدمية، وليس هناك ما يحول دون أن نبنى أحزاباً تتبنى فلسفة جديدة فى الحركة والنشاط. ليست صدفة أن الديمقراطيات الناضجة تقوم على أحزاب سياسية لها ديمومة مؤسسية ولها تبلور تنظيمى، الحزب السياسى له قوام واضح، هو يعرف أعضاءه من خلال قوائم عضوية وكارنيهات، وبالتالى يستطيع إجراء انتخابات داخلية، التى هى عمود الديمقراطية فى أى جماعة سياسية، فكيف للتيار الشعبى الوليد أن يجرى انتخابات داخلية؟ وكيف لأعضائه أن يمارسوا الرقابة على قياداته؟ والحزب له حسابات مصرفية يستطيع من خلالها تلقى تبرعات مالية تخضع لرقابة أعضائه أو رقابة الدولة، فكيف للتيار الشعبى أن يتلقى تبرعات وأن يضمن الشفافية والنزاهة فى استخدام هذه التبرعات إذا لم يكن له أى وضع قانونى؟ بأمانة شديدة لا أرى أن خط بناء التيارات عوضاً عن الأحزاب فيه أى فائدة للواقع المصرى، نعم أعلم صعوبة بناء الأحزاب، لكن الموضوع يستحق المحاولة تلو الأخرى، وليس النكوص والعودة للوراء من خلال الدعوة لممارسة العمل السياسى من خلال كيانات ضعيفة مؤسسياً وتنظيمياً.