(1) الشعب التونسى يحافظ على أركان الدولة والوطن: كشفت الانتخابات التشريعية التى جرت فى تونس مؤخراً عن مدى ما يتمتع به الشعب التونسى من عراقة وأصالة، فقد أثبت أنه شعب مثقف وواعٍ ومسيس، كأنه معجون بماء السياسة، فلا أحد يستطيع أن يخدعه أو يغرر به أو يضحك عليه.. هو قادر فى اللحظات الفاصلة أن يحدد مساره الصحيح، وأن يختار بإرادته الحرة من يمثله وينوب عنه فى هذه المرحلة أو تلك.. ولا عجب فى ذلك، فثورته كانت ملهمة لثورات الشعوب العربية فى المنطقة.. الشعب التونسى وهو يخوض معركة الانتخابات، كانت ماثلة أمامه بوضوح تلك الفترة الانتقالية التى مر بها حيث عمليات الاغتيال التى جرت فى تونس، والخطاب الدينى التكفيرى، فضلاً عما يجرى فى ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن، إضافة إلى تجربة الإخوان فى مصر.. وفى ظنى أن الفوز الذى حققه حزب «نداء تونس» لم يكن بسبب علمانيته، وإنما لأن أهله يمثلون رجال دولة، لقد كان تمسك الشعب التونسى بالدولة والاستقرار ومدنية المسار قاطعاً وحاسماً دون اهتزاز أو تردد، واضحاً وجلياً دون لبس أو غموض.. كان هناك خوف من أن تتعرض تونس فى المستقبل لاهتزازات أعمق مما حدث فتؤدى إلى العصف بأركان الدولة والوطن. (2) نجاة تونس من التدخلات الدولية: من حسن حظ تونس أنه لم يكن هناك تدخلات دولية، أو تجاذبات إقليمية مثلما حدث لليبيا، وسوريا، واليمن، والهدف -كما هو معلوم- إضعافها وتفتيتها كما حدث ويحدث فى العراق.. ليبيا لم تعد دولة، مجرد ميليشيات مسلحة، يقاتل بعضها بعضاً، حيث تجرى الدماء أنهاراً.. سوريا لا يتوقف فيها القتل والعنف والإرهاب، بين جيش النظام الحاكم والجيش الحر وجبهة النصرة و«داعش».. اليمن ممزق؛ فالحوثيون، وبدعم كامل من إيران، يتمددون فى كل اليمن الشمالى، ويحاولون التمدد فى اتجاه الجنوب، حيث ينتشر متشددو «القاعدة» فى مناطق الجنوب، وهو ما سيحول البلاد إلى مرحلة صراع طائفى ومذهبى عنيف. (3) الوضع فى مصر: فى مصر، استغلت الجماعات التكفيرية الإرهابية فترة الفوضى والضياع عقب ثورة 25 يناير، وكذلك أثناء الفترة التى حكم فيها الإخوان، فتدفقت إلى مصر وإلى سيناء أعداد كبيرة من «الأفغان العرب»، علاوة على التكفيريين القادمين من غزة، أو التابعين لحازم أبوإسماعيل، أو غيرهم.. ناهينا عن تدفقات السلاح بكافة أنواعه وأشكاله.. وقد لعبت -ولا تزال- التدخلات الدولية والإقليمية دوراً خطيراً فى دعم هذه الجماعات، مادياً وسياسياً وإعلامياً.. ولولا الجيش المصرى وما قام -ويقوم- به فى التصدى لهذه الجماعات، فضلاً عن الوقوف بحزم فى وجه المخططات الدولية والإقليمية، لسارت مصر فى نفس الطريق. (4) إخوان تونس يستوعبون الدرس: إخوان تونس كانوا أبعد نظراً وأوسع أفقاً وأعمق فهماً من نظرائهم فى مصر.. تبدى ذلك فى أمور كثيرة منذ اللحظة الأولى عقب الثورة.. فلم يكن هناك فى تونس تعديلات دستورية، ولا تفاهمات أو صفقات مع المجلس العسكرى على حساب الثورة، ولا احتكار لكل مواقع السلطة (من رئيس وحكومة)، ولا استئثار بجمعية تأسيسية، ولا إعلان دستورى يكرس للديكتاتورية والاستبداد ويصطدم مع السلطة القضائية، ولا ازدواجية فى القرارات بين زعماء الحزب والحكومة، ولا تقديم لأهل الثقة على أهل الخبرة فى المفاصل المختلفة للدولة، ولا محاولة لتقطيع شمل المجتمع التونسى، ولا احتراب أهلى، ولا تبعية للإدارة الأمريكية (خدمة لمشروعها ومشروع العدو الصهيونى)، ولا وضع الشعب فى مفترق طرق «إما نحن وإما الدمار»، ولا إثارة لفوضى أو تخريب أو تدمير، ولا غطاء سياسى لعنف أو إرهاب.. إلخ.. بلا شك، استوعب إخوان تونس جيداً درس الإخوان فى مصر.. كانوا حريصين على ألا يقعوا فى نفس الأخطاء والخطايا. (5) هناك اختلاف فى الفكر والوعى السياسى: قيادات وأفراد إخوان تونس يختلفون عن نظرائهم فى مصر.. الفكر مختلف، والمنهج مغاير، والسياسة ذات بعد أعمق، والرؤية ليست غائمة أو ضبابية.. لا يوجد لديهم سمع وطاعة فى المطلق، ولا توجد ثقة فى القيادة دون محاسبة أو مساءلة.. لديهم شورى حقيقية، وليست فولكلورية أو شكلية.. إخوان تونس يتعلمون من أخطاء غيرهم، أما إخوان مصر فلا يتعلمون مطلقاً، سواء من أخطائهم أو من أخطاء غيرهم. (6) مع الديمقراطية.. ذلك أجدى للجميع: فضّل إخوان تونس أن يكونوا مع الديمقراطية فعلاً، لا قولاً، وأن تنجح التجربة الديمقراطية، ذلك أجدى كثيراً لهم وللثورة وللشعب التونسى.. لا يهم أن يكسبوا أو يخسروا فى الانتخابات التشريعية التى جرت مؤخراً، فالديمقراطية أن تكسب اليوم وأن تخسر غداً، وهذا هو الفوز الحقيقى، وإلا فما هو معنى التداول السلمى للسلطة؟ صحيح أنهم لم يحققوا ما كانوا يأملون، لكنهم عندما أقروا بخسارتهم وقبلوا بالنتيجة، نالوا احترام العالم، وقبل ذلك احترام الشعب التونسى ذاته.. ويمثل اتصال زعماء حزب «النهضة» الذى حصل على 69 مقعداً بزعماء حزب «نداء تونس» الذى تصدر المشهد بحصوله على 85 مقعداً لتهنئتهم بالفوز، خطوة جيدة على طريق الديمقراطية الوليدة، وهكذا يجب أن يغلّب الجميع المصلحة العليا لتونس، على المصالح الحزبية الضيقة.. إن الديمقراطية ليست مجرد سلم يصل به حزب ما إلى السلطة، ثم بعد ذلك يقوم بركله بعيداً.. لذا فإن إرساء قواعد الديمقراطية الصحيحة، سوف يمنح الشعب التونسى الأمن والاستقرار، الأمر الذى سوف ينعكس على التنمية، والتقدم، والازدهار. (7) ماذا أمام الحكومة الجديدة؟ أمام الحكومة الجديدة فى تونس مهمة التصدى لجماعات التكفير الإرهابية، التى من المتوقع أن تقوم ببعض المشاغبات، كطريقة لإثبات الوجود من ناحية، ولمحاولة تفشيل الحكومة من ناحية أخرى.. وأعتقد أن حزب النهضة سوف يكون أكثر وعياً من إخوان مصر.. مطلوب منه أن تتضافر جهوده مع الحكومة الجديدة، وألا يكون ظهيراً سياسياً لهذه الجماعات.. فى ظنى، سوف تنفتح الحكومة على مصر والدول العربية بشكل إيجابى وفاعل.