فلتغضب يا سيدى الرئيس مع تساقط أوراق الخريف أمام شرفتى الصغيرة متشحة بألوان الرحيل، مستسلمة للوعد لرياح لا تنسى المواعيد ولا تنعى الراحلين، تعبث أناملى بأوراق النتيجة بحثاً عنه.. ذلك اليوم الفارق فى حياتنا فلا يزال هو أجمل ما نحمل من كبرياء الوطن.. أتوارى من نفسى خجلاً وضآلةً أمام رجال صنعوا التاريخ.. تعترينى ذكريات.. كلمات أكتبها استسلاماً لشجون كل عام ثم أضن عليها ببعض النور لتظل حبيسة درج مظلم.. فهل تسمح لى يا قارئى وصديقى أن أفتح درجى الصغير، أنفض التراب عن بعض ما يئن به.. أصحبك معى فى رحلة بين حروف اختلط فيها الواقع بالخيال حتى كدت أفقد الخيط الرفيع بينهما.. ولكن لتترفق بحكاياتى، فهى طيف من الماضى يلتمس على استحياء أن يذكرنا بما لا يجب أن ننساه.. فلتغضب يا سيدى الرئيس كان يوماً من أيام أكتوبر 73.. رحل حزيناً بوصمة عار على جبين الأيام، قبل أن يودع العالم ألقى نظرة مع آخر ضوء للشمس على جثث أسرانا.. وتعود الأرض والعرض.. وتبكى أمطار سيناء على زمن رجال رحلوا تاركين بقايا أمل لا تزال فى الأحداق وتمتمات دعاء الفجر كل يوم خشوعاً على سجادة الرجاء.. فقد آن للمأتم أن يُنصب.. وآن للأم الثكلى أن تزغرد قبل أن تقبل العزاء.. فباحت الأرض الحزينة بحملها العظيم.. بقايا قيود مخضبة بالدماء.. رقم عسكرى وما تبقى من زى.. وكان يوماً من أيام أكتوبر 2014.. رحل حزيناً وقد وُصم بعار على جبين الأيام.. وقبل أن يودع العالم ألقى نظرة مع آخر ضوء للشمس على جثث أسرانا معصوبى الأعين، مغلولى الأيدى والأقدام، ولكن ما عصب أعينهم وأعيُننا هو القرابة والنسب.. وما غل أيديهم وأيدينا هو الدم والرحم.. وأخ طعن بلا خجل.. لتئن الأرض المباركة مخضبة بالدماء الزكية.. ويحل الموت خجلاً.. إنهم ليسوا بنى خيبر ولكنهم وكلاؤهم بعلم العملاء وجهل السفهاء وقد نفذوا المهمة كاملة.. وها نحن نعلم أن أبناء العُهر لن يرجى منهم يوماً خير.. وستظل أختام العار توصم كل شهادات الزيف مكتوب فى ركن منها «مصرى» كذباً.. ليسوا مصريين ولن يكونوا أبداً.. ملعون من سب الوطن وأعلن أنه تربة عفنة وقد بكى رسولنا وطنه مكة.. ملعون فى كل كتاب من ذبح شباب الغد قرباناً على أعتاب الباب العالى بحثاً عن سلطة.. آه لو تعرف أن دموع الأم الثكلى أغلى من كل كنوز الأرض.. آه لو تعلم يا لقيط حثالات أزقة ولحظات رخيصة ولدت لنا مسوخاً لا تعرف معنى الكلمة.. شرف الكلمة.. عهد الكلمة.. تراهن على ذاكرة وطن هرم.. فلتغضب يا سيدى الرئيس فقد مزقت حبال الصبر حرقة الفرقة.. فالتسامح فى بعض المواضع سُبة.. فلتغضب وكلنا معك لنغضب غضباً ساطعاً يطهر لا يحرق.. ولا تعزية إلا بعد الثأر.. لتكن حرباً على كل السفهاء العملاء الجهلاء الخونة.. حاملى أقنعة الدين بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.. أين نصرة بيت المقدس فيما يفعلونه؟ أذانُ الله يُمنَع فى ثانى القبلتين وهم كالخنازير يقتلون خير أجناد الأرض نيابة عن بنى إسرائيل.. لقد سقطت الأقنعة.. والانتظار عار.. سامحونى على غضبة الكلمات.. لا نامت أعين الجبناء.. لا نامت أعين الجبناء.